وينبغي له أن يتواضع للعلم والمعلم  فبتواضعه يناله ، وقد أمرنا بالتواضع مطلقا فهنا أولى ، وقد قالوا : العلم حرب للمتعالي ، كالسيل حرب للمكان العالي . وينقاد لمعلمه ، ويشاوره في أموره ، ويأتمر بأمره ، كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح ، وهذا أولى لتفاوت مرتبتهما . 
قالوا : ولا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته ، وظهرت ديانته ، وتحققت معرفته واشتهرت صيانته وسيادته ، فقد قال  ابن سيرين   ومالك  وخلائق من السلف : هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . ولا يكفي في أهلية التعليم أن يكون كثير العلم ، بل ينبغي مع كثرة علمه بذلك الفن كونه له معرفة في الجملة بغيره من الفنون الشرعية ، فإنها مرتبطة ، ويكون له دربة ودين وخلق جميل وذهن صحيح ، واطلاع تام . وقالوا : ولا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق ، فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف ، ويكثر منه الغلط والتحريف . وينبغي أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ، ورجحانه على أكثر طبقته ، فهو أقرب إلى انتفاعه به ، ورسوخ ما سمعه منه في ذهنه . وقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال : اللهم استر عيب معلمي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني . وقال  الشافعي    - رحمه الله - : كنت أصفح الورقة بين يدي  مالك    - رحمه الله - صفحا رفيقا هيبة له . 
 [ ص: 67 ] لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع :  والله ما اجترأت أن أشرب الماء  والشافعي  ينظر إلي هيبة له . وقال حمدان بن الأصفهاني    : وكنت عند شريك    - رحمه الله - فأتاه بعض أولاد المهدي  ، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه ، وأقبل علينا ثم عاد فعاد لمثل ذلك ، فقال : أتستخف بأولاد الخلفاء ؟ فقال : شريك    : لا ولكن العلم أجل عند الله تعالى من أن أضعه ، فجثا على ركبتيه ، فقال شريك    : هكذا يطلب العلم . وعن  علي بن أبي طالب  رضي الله تعالى عنه قال : من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية ، وأن تجلس أمامه ، ولا تشيرن عنده بيدك ، ولا تعمدن بعينك غيره ، ولا تقولن : قال فلان خلاف قوله ، ولا تغتابن عنده أحدا ، ولا تسار في مجلسه ، ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تشبع من طول صحبته ، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء . 
				
						
						
