[ ص: 40 ] باب في فضيلة الاشتغال بالعلم ، وتصنيفه ، وتعلمه ، وتعليمه ، والحث عليه ، والإرشاد إلى طرقه  قد تكاثرت الآيات ، والأخبار ، والآثار ، وتواترت ، وتطابقت الدلائل الصريحة ، وتوافقت ، على فضيلة العلم ، والحث على تحصيله ، والاجتهاد في اقتباسه ، وتعليمه . وأنا أذكر طرفا من ذلك ، تنبيها على ما هنالك ، قال الله تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون    } ، وقال تعالى : { وقل رب زدني علما    } ، وقال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء    } ، وقال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات    } ، والآيات كثيرة معلومة ، وروينا عن  معاوية  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين   } رواه  البخاري   ، ومسلم  ، وعن  أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مثل ما بعثني الله به من الهدى ، والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ ، والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا منها ، وسقوا ، وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به ، فعلم ، وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به   } رواه  البخاري   ، ومسلم  
وعن  ابن مسعود  رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ، ويعلمها   } . روياه ، والمراد بالحسد الغبطة ، وهي أن يتمنى مثله . ومعناه ينبغي أن لا يغبط أحدا إلا في هاتين الموصلتين إلى رضاء الله تعالى . 
وعن  سهل بن سعد  رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  لعلي  رضي الله عنه : فوالله لأن يهدي الله بك رجلا ، واحدا خير لك من حمر النعم   } روياه ، وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم   } رواه  مسلم    . 
وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه  [ ص: 41 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا مات ابن آدم  انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له   } رواه  مسلم    . 
وعن  أنس  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع   } رواه الترمذي  ، وقال : حديث حسن . وعن  أبي أمامة الباهلي  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ، وملائكته ، وأهل السموات ، والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير   } رواه الترمذي  ، وقال : حديث حسن ، وعن  أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة   } رواه الترمذي  ، وقال : حديث حسن . وعن  ابن عباس  رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد   } رواه الترمذي  ، وعن  أبي هريرة  مثله ، وزاد : { لكل شيء عماد ، وعماد هذا الدين الفقه ، وما عبد الله بأفضل من فقه في الدين   } وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله ، وما والاه ، وعالما ومتعلما   } رواه الترمذي  ، وقال : حديث حسن . وعن  أبي الدرداء  رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع ، أجنحتها لطالب العلم رضاء ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما وإنما ، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر   } رواه أبو داود  ، والترمذي  ، وغيرهما ، وفي الباب أحاديث كثيرة ، وفيما أشرنا إليه كفاية . 
وأما الآثار عن السلف فأكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، لكن نذكر منها أحرفا متبركين ، مشيرين إلى غيرها ، ومنبهين : عن  علي  رضي الله عنه : " كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ، ويفرح إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه " . ، وعن  معاذ  رضي الله عنه : " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة " قال  أبو مسلم الخولاني    : " مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها ، واذا خفيت عليهم تحيروا " . 
 [ ص: 42 ] عن  وهب بن منبه  قال : " يتشعب من العلم الشرف ، وإن كان صاحبه دنيئا ، والعز ، وإن كان مهينا ، والقرب وإن كان قصيا ، والغنى وإن كان فقيرا ، والنبل وإن كان حقيرا ، والمهابة وإن كان وضيعا ، والسلامة وإن كان سفيها " . وعن  الفضيل  قال : " عالم عامل بعلمه يدعى كبيرا في ملكوت السموات " . وقال غيره : " أليس يستغفر لطالب العلم كل شيء أفكهذا منزلة ؟ " ، وقيل : العالم كالعين العذبة نفعها دائم ، وقيل : العالم كالسراج من مر به اقتبس ، وقيل : العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، وهو يدفع عنك ، وأنت تدفع عن المال ، وقيل : العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصباح البصائر في الظلم ، به تبلغ منازل الأبرار ، ودرجات الأخيار ، والتفكر فيه ، ومدارسته ترجح على الصلاة ، وصاحبه مبجل مكرم ، وقيل : مثل العالم مثل الحمة تأتيها البعداء ويتركها الأقرباء فبينا هي كذلك إذ غار ماؤها ، وقد انتفع بها ، وبقي قوم يتفكنون أي يتندمون . قال أهل اللغة الحمة بفتح الحاء عين ماء حار يستشفى بالاغتسال فيها ، وقال  الشافعي  رحمه الله : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ، وقال : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، وقال : من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، وقال : من لا يحب العلم فلا خير فيه فلا يكن بينك ، وبينه معرفة ، ولا صداقة ، وقال : العلم مروءة من لا مروءة له ، وقال : إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله ولي ، وقال : ما أحد أورع لخالقه من الفقهاء ، وقال : من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل قدره ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ، وقال  البخاري  رحمه الله في أول كتاب الفرائض من صحيحه قال  عقبة بن عامر    : رضي الله عنه " تعلموا قبل الظانين " قال  البخاري  يعني الذين يتكلمون بالظن ، ومعناه تعلموا العلم من أهله المحققين الورعين قبل ذهابهم ، ومجيء قوم يتكلمون في العلم بمثل نفوسهم ، وظنونهم التي ليس لها مستند شرعي 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					