( 1345 ) مسألة : قال : ( وإذا كان البلد كبيرا يحتاج إلى جوامع ، فصلاة الجمعة في جميعها جائزة ) وجملته أن البلد متى كان كبيرا ، يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ، ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره ، أو ضيق مسجده عن أهله ، كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبار ، جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها ، وهذا قول . عطاء
وأجازه في أبو يوسف بغداد دون غيرها ; لأن الحدود تقام فيها في موضعين ، والجمعة حيث تقام الحدود ، ومقتضى قوله : إنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين ، جازت منه ; لأن الجمعة حيث تقام الحدود ، وهذا قول إقامة الجمعة في موضعين ابن المبارك
وقال ، أبو حنيفة ومالك : لا تجوز والشافعي ; { الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد ، } وكذلك الخلفاء بعده ، ولو جاز لم يعطلوا المساجد ، حتى قال : لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر ، الذي يصلي فيه الإمام . ابن عمر
ولنا ، أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة ، فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع ، كصلاة العيد .
وقد ثبت أن ، رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ، ويستخلف على ضعفة الناس عليا ، فيصلي بهم . فأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة جمعتين ، فلغناهم عن إحداهما ، ولأن أصحابه كانوا يرون سماع خطبته ، وشهود جمعته ، وإن بعدت منازلهم ، لأنه المبلغ عن الله تعالى ، وشارع الأحكام ، ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ، ولم ينكر ، فصار إجماعا . أبا مسعود البدري
وقول ، يعني أنها لا تقام في المساجد الصغار ويترك الكبير ، [ ص: 93 ] وأما اعتبار ذلك بإقامة الحدود ، فلا وجه له . قال ابن عمر أبو داود : سمعت يقول : أي حد كان يقام أحمد بالمدينة ، قدمها وهم مختبئون في دار ، فجمع بهم وهم أربعون . ( 1346 ) مصعب بن عمير
فصل : فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز في أكثر من واحد ، وإن حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة ، وكذلك ما زاد ، لا نعلم في هذا مخالفا ، إلا أن قيل له : إن أهل عطاء البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر .
قال : لكل قوم مسجد يجمعون فيه ، ويجزئ ذلك من التجميع في المسجد الأكبر . وما عليه الجمهور أولى ، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة ، إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك ، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل ، فإن ، وإحداهما جمعة الإمام ، فهي صحيحة تقدمت أو تأخرت ، والأخرى باطلة ، لأن في الحكم ببطلان جمعة الإمام افتياتا عليه ، وتفويتا له الجمعة ولمن يصلي معه ، ويفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك ، بأن يجتمعوا في موضع ، ويسبقوا أهل البلد بصلاة الجمعة صلوا جمعتين في مصر واحد من غير حاجة
وقيل : السابقة هي الصحيحة ، لأنها لم يتقدمها ما يفسدها ، ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها . والأول أصح ، لما ذكرنا . وإن ، أو كانت إحداهما في المسجد الجامع والأخرى في مكان صغير لا يسع المصلين ، أو لا يمكنهم الصلاة فيه ; لاختصاص السلطان وجنده به ، أو غير ذلك المدينة ، كان من وجدت فيه هذه المعاني صلاتهم صحيحة دون الأخرى . كان أحدهما في قصبة البلد ، والآخر في أقصى
وهذا قول ; فإنه قال : لا أرى الجمعة إلا لأهل القصبة ; وذلك لأن لهذه المعاني مزية تقتضي التقديم ، فقدم بها ، كجمعة الإمام . مالك
ويحتمل أن تصح السابقة منهما دون الأخرى ، لأن إذن الإمام آكد ، ولذلك اشترط في إحدى الروايتين . وإن لم يكن لإحداهما مزية ، لكونهما جميعا مأذونا فيهما ، أو غير مأذون في واحدة منهما ، وتساوى المكانان في إمكان إقامة الجمعة في كل واحد منهما ، فالسابقة هي الصحيحة ; لأنها وقعت بشروطها ، ولم يزاحمها ما يبطلها ، ولا سبقها ما يغني عنها ، والثانية باطلة ; لكونها واقعة في مصر أقيمت فيه جمعة صحيحة ، تغني عما سواها
ويعتبر السبق بالإحرام ; لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بغيرها ; للغنى عنها ، فإن فهما باطلتان معا ; لأنه لا يمكن صحتهما معا ، وليست إحداهما بالفساد أولى من الأخرى ، فبطلتا كالمتزوج أختين ، أو إذا زوج الوليان رجلين . وإن وقع الإحرام بهما معا ، بطلتا أيضا ; لأن إحداهما باطلة ، ولم تعلم بعينها ، وليست إحداهما بالإبطال أولى من الأخرى ، فبطلتا كالمسألتين . لم تعلم الأولى منهما ، أو لم يعلم كيفية وقوعهما
ثم إن علمنا فساد الجمعتين لوقوعهما معا ، وجب إعادة الجمعة إن أمكن ذلك ، لبقاء الوقت ، لأنه مصر ما أقيمت فيه جمعة صحيحة ، والوقت متسع لإقامتها فلزمتهم ، كما لو لم يصلوا شيئا .
وإن تيقنا صحة إحداهما لا بعينها ، فليس لهم أن يصلوا إلا ظهرا ، لأنه مصر تيقنا سقوط فرض الجمعة فيه بالأولى منهما ، فلم تجز إقامة الجمعة فيه ، كما لو علمناها وقال : يحتمل أن لهم إقامة جمعة أخرى ; لأننا حكمنا بفسادهما معا ، فكأن المصر ما صليت فيه جمعة صحيحة . القاضي
والصحيح الأول ; لأن الصحيحة لم تفسد ، وإنما لم يمكن إثبات حكم الصحة لها بعينها ; لجهلها ، فيصير هذا كما لو زوج الوليان أحدهما قبل الآخر ، وجهل السابق منهما ، فإنه لا يثبت حكم الصحة بالنسبة إلى واحد بعينه ، وثبت حكم النكاح في حق المرأة ، بحيث لا يحل [ ص: 94 ] لها أن تنكح زوجا آخر
فأما إن جهلنا كيفية وقوعهما ، فالأولى أن لا يجوز إقامة الجمعة أيضا ، لأن الظاهر صحة إحداهما ، لأن وقوعهما معا - بحيث لا يسبق إحرام إحداهما الأخرى - بعيد جدا ، وما كان في غاية الندرة فحكمه حكم المعدوم ، ولأننا شككنا في شرط إقامة الجمعة ، فلم يجز إقامتها مع الشك في شرطها ، ويحتمل أن لهم إقامتها ; لأننا لم نتيقن المانع من صحتها . والأول أولى
( 1347 ) فصل : وإن ، بطلت الجمعة ، ولزمهم استئناف الظهر ; لأننا تبينا أنه أحرم بها في وقت لا يجوز الإحرام بالجمعة ، فلا تصح ، فأشبه ، ما لو تبين أنه أحرم بها بعد دخول وقت العصر . وقال أحرم بالجمعة فتبين في أثناء الصلاة أن الجمعة قد أقيمت في المصر : يستحب أن يستأنف ظهرا ، وهذا من قوله يدل على أن له إتمامها ظهرا قياسا على المسبوق الذي أدرك دون الركعة ، وكما لو أحرم بالجمعة فانفض العدد قبل إتمامها . القاضي
والفرق ظاهر ; فإن هذا أحرم بها في وقت لا تصح الجمعة فيه ، ولا يجوز الإحرام بها ، والأصل الذي قاس عليه بخلاف هذا . ( 1348 ) فصل : وإذا كانت لم تبطل جمعة أهل المصر ; لأنهم في غير المصر ، ولأن لجمعة المصر مزية بكونها فيه . ولو كان قرية إلى جانب مصر ، يسمعون النداء منه ، فأقاموا جمعة فيها ، ، كأهل مصران متقاربان ، يسمع أهل كل مصر نداء المصر الآخر مصر والقاهرة ، لم تبطل جمعة أحدهما بجمعة الآخر .
وكذلك القريتان المتقاربتان ; لأن لكل قوم منهم حكم أنفسهم ، بدليل أن جمعة أحد الفريقين لا يتم عددها بالفريق الآخر ، ولا تلزمهم الجمعة بكمال العدة بالفريق الآخر ، وإنما يلزمهم السعي إذا لم يكن لهم جمعة ، فهم كأهل المحلة القريبة من المصر .