الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1929 ) فصل : وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة ، على أن الربح بينهما نصفان ، فحال الحول وقد صار ثلاثة آلاف ، فعلى رب المال زكاة ألفين ; لأن ربح التجارة حوله حول أصله .

                                                                                                                                            وقال الشافعي في أحد قوليه : عليه زكاة الجميع ; لأن الأصل له ، والربح نماء ماله . ولا يصح ، لأن حصة المضارب له ، وليست ملكا لرب المال ، بدليل أن للمضارب المطالبة بها ، ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال ، لم يلزمه قبوله ، ولا تجب على الإنسان زكاة ملك غيره ، ولأن رب المال يقول : حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لك ، أو تتلف فلا تكون لي ولا لك ، فكيف يكون علي زكاة ما ليس لي بوجه ما ، وقوله : إنه نماء ماله .

                                                                                                                                            قلنا : لكنه لغيره ، فلم تجب عليه زكاة ، كما لو وهب نتاج سائمته لغيره . إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال ، لأنه من مؤنته ، فكان منه ، كمؤنة حمله ، ويحسب من الربح ; لأنه وقاية لرأس المال . وأما العامل فليس عليه زكاة في حصته حتى يقتسما ، ويستأنف حولا من حينئذ . نص عليه أحمد ، في رواية صالح ، وابن منصور . فقال : إذا احتسبا يزكي المضارب إذا حال الحول من حين احتسبه ; لأنه علم ماله في المال ، ولأنه إذا اتضع بعد ذاك كانت الوضيعة على رب المال . يعني إذا اقتسما . لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة ، ألا تراه يقول : إن اتضع بعد ذلك كانت الوضيعة على رب المال . وإنما يكون هذا بعد القسمة .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : يحتسب حوله من حين ظهور الربح . يعني إذا كمل نصابا . إلا على قول من قال : إن الشركة تؤثر في غير الماشية ، قال : ولا يجب إخراج زكاته حتى يقبض المال ; لأن العامل يملك الربح بظهوره ، [ ص: 341 ] فإذا ملكه جرى في حول الزكاة ، ولأن من أصلنا أن في المال الضال والمغصوب والدين على مماطل الزكاة ، وإن كان رجوعه إلى ملك يده مظنونا ، كذا هاهنا .

                                                                                                                                            ولنا ، أن ملك المضارب غير تام ، لأنه يعرض أن تنقص قيمة الأصل أو يخسر فيه ، وهذا وقاية له ، ولهذا منع من الاختصاص به ، والتصرف فيه بحق نفسه ، فلم يكن فيه زكاة ، كمال المكاتب ، يؤكد هذا أنه لو كان ملكا تاما لاختص بربحه ، فلو كان رأس المال عشرة فاتجر فيه فربح عشرين ، ثم اتجر فربح ثلاثين ، لكانت الخمسون التي ربحها بينهما نصفين ، ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح ، لملك من العشرين الأولى عشرة ، واختص بربحها ، وهي عشرة من الثلاثين ، وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين ، فيملك المضارب ثلاثين ، ولرب المال ثلاثون ، كما لو اقتسما العشرين ثم خلطاها .

                                                                                                                                            وفارق المغصوب والضال ، فإن الملك فيه ثابت تام إنما حيل بينه وبينه ، بخلاف مسألتنا . ومن أوجب الزكاة على المضارب . فإنما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصابا بمفردها أو بضمها إلى ما عنده من جنس المال ، أو من الأثمان ، إلا على الرواية التي تقول إن للشركة تأثيرا في غير السائمة . وليس عليه إخراجها قبل القسمة ، كالدين لا يجب الإخراج منه قبل قبضه . وإن أراد إخراجها منه قبل القسمة لم يجز ; لأن الربح وقاية لرأس المال . ويحتمل أن يجوز ، لأنهما دخلا على حكم الإسلام ، ومن حكمه وجوب الزكاة ، وإخراجها من المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية