( 1628 ) مسألة ; قال :   ( والشهيد إذا مات في موضعه ، لم يغسل ، ولم يصل عليه )  يعني إذا مات في المعترك ، فإنه لا يغسل ، رواية واحدة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ولا نعلم فيه خلافا ، إلا عن الحسن  ،  وسعيد بن المسيب  ، قالا : يغسل الشهيد ، ما مات ميت إلا جنبا . والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ترك غسلهم أولى . 
فأما الصلاة عليه ، فالصحيح أنه لا يصلى عليه . وهو قول  مالك  ،  والشافعي  ، وإسحاق    . وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، أنه يصلى عليه . اختارها  الخلال    . وهو قول  الثوري  ،  وأبي حنيفة    . إلا أن كلام  أحمد  في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة ، غير واجبة . قال في موضع : إن صلي عليه فلا بأس به . وفي موضع آخر ، قال : يصلى ، وأهل الحجاز  لا يصلون عليه ، وما تضره الصلاة ، لا بأس به . 
وصرح بذلك في رواية المروذي  ، فقال : الصلاة عليه أجود ، وإن لم يصلوا عليه أجزأ . فكأن الروايتين في استحباب الصلاة ، لا في وجوبها ، إحداهما يستحب ; لما روى عقبة  ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما ، فصلى على أهل أحد  صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر   } . متفق عليه . وعن  ابن عباس  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد    } . ولنا ، ما روى  جابر  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد  في دمائهم ، ولم يغسلهم ، ولم يصل عليهم   } . متفق عليه . ولأنه لا يغسل مع إمكان غسله ، فلم يصل عليه ، كسائر من لم يغسل ، وحديث عقبة  مخصوص بشهداء أحد  ، فإنه صلى عليهم في القبور بعد ثماني سنين ، وهم لا يصلون على القبر أصلا ، ونحن لا نصلي عليه بعد شهر . وحديث  ابن عباس  يرويه الحسن بن عمارة  ، وهو ضعيف ، وقد أنكر عليه  شعبة  رواية هذا الحديث . وقال : إن  جرير بن حازم  يكلمني في أن لا أتكلم في الحسن بن عمارة  ، وكيف لا أتكلم فيه وهو يروي هذا الحديث 
ثم نحمله على الدعاء . إذا ثبت هذا فيحتمل أن ترك غسل الشهيد  لما تضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة المستحسنة شرعا ، فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { والذي نفسي بيده ، لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة ، واللون لون دم ، والريح ريح مسك .   } رواه  البخاري    . 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من قطرتين وأثرين : أما الأثران ، فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى .   } رواه الترمذي  ، وقال : هو حديث حسن ، وقد جاء ذكر هذه العلة في الحديث ، فإن  عبد الله بن ثعلبة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { زملوهم بدمائهم ، فإنه ليس كلم يكلم في سبيل الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك .   } رواه  النسائي    . 
ويحتمل أن الغسل لا يجب إلا من أجل الصلاة ، إلا أن الميت لا فعل له ، فأمرنا بغسله لنصلي عليه ، فمن لم تجب الصلاة عليه لم يجب غسله ، كالحي . ويحتمل أن الشهداء في المعركة يكثرون ، فيشق غسلهم ، وربما يكون فيهم الجراح فيتضررون ، فعفي عن غسلهم لذلك . 
وأما سقوط الصلاة عليهم ، فيحتمل أن تكون علته كونهم أحياء عند ربهم ، والصلاة إنما شرعت في حق الموتى . ويحتمل أن ذلك  [ ص: 205 ] لغناهم عن الشفاعة لهم ، فإن الشهيد يشفع في سبعين من أهله ، فلا يحتاج إلى شفيع ، والصلاة إنما شرعت للشفاعة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					