( 156 ) مسألة قال : والفم والأنف من الوجه . يعني أن المضمضة والاستنشاق  واجبان في الطهارتين جميعا : الغسل ، والوضوء ; فإن غسل الوجه واجب فيهما . هذا المشهور في المذهب ، وبه قال  ابن المبارك   وابن أبي ليلى  وإسحاق  وحكي عن  عطاء  وروي عن  أحمد  رواية أخرى في الاستنشاق وحده أنه واجب . 
قال  القاضي    : الاستنشاق واجب في الطهارتين ، رواية واحدة ، وبه قال  أبو عبيد   وأبو ثور   وابن المنذر    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من توضأ فليستنثر   } . وفي رواية قال : { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر   } . متفق عليه . 
 ولمسلم :    { من توضأ فليستنشق   } . وعن  ابن عباس ،  مرفوعا { استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا   } . وهذا أمر يقتضي الوجوب ; ولأن الأنف لا يزال مفتوحا ، وليس له غطاء يستره ، بخلاف الفم . وقال غير القاضي ، عن  أحمد  رواية أخرى : إن المضمضة والاستنشاق واجبان في الكبرى ، مسنونان في الصغرى . 
وهذا مذهب  الثوري  وأصحاب الرأي ; لأن الكبرى يجب فيها غسل كل ما أمكن من البدن كبواطن الشعور الكثيفة ، ولا يمسح فيها عن الحوائل ، فوجبا فيها ، بخلاف الصغرى . وقال  مالك   والشافعي  لا يجبان في الطهارتين ، وإنما هما مسنونان فيهما . 
وروي ذلك عن الحسن  والحكم  وحماد   وقتادة   وربيعة   ويحيى الأنصاري   والليث  والأوزاعي    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عشر من الفطرة   } ، وذكر منها المضمضة والاستنشاق ، والفطرة : السنة ، وذكره لهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ; ولأن الفم والأنف عضوان باطنان ، فلا يجب غسلهما كباطن اللحية وداخل العينين ; ولأن الوجه ما تحصل به المواجهة ، ولا تحصل المواجهة بهما . 
ولنا ما روت  عائشة ،  رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه   } . رواه أبو بكر  في الشافي بإسناده عن  ابن المبارك ،  عن  ابن جريج ،  عن عروة ،  عن  عائشة  ، وأخرجه  الدارقطني  في سننه ; ولأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقصيا ، ذكر أنه تمضمض واستنشق ، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ; لأن فعله يصلح أن يكون بيانا وتفصيلا للوضوء المأمور به في كتاب الله ، وكونهما من الفطرة لا ينفي وجوبهما ، لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب ، ولذلك ذكر فيها الختان ، وهو واجب . 
( 157 ) فصل : والمضمضة : إدارة الماء في الفم . والاستنشاق : اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف . والاستنثار : إخراج الماء من أنفه . ولكن يعبر بالاستنثار عن الاستنشاق ; لكونه من لوازمه . 
ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم  ، ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف  ، وإنما ذلك مبالغة مستحبة في حق غير الصائم ، وقد ذكرناه في سنن الطهارة . وإذا أدار الماء في فيه فهو مخير بين مجه وبلعه ; لأن المقصود قد حصل به ، فإن جعله في فيه ينوي رفع الحدث الأصغر ، ثم ذكر أنه جنب ، فنوى رفع الحدثين ، ارتفعا جميعا ; لأن الماء لا يثبت له حكم الاستعمال إلا بعد الانفصال ، ولو كان الماء قد لبث في فيه حتى تحلل من ريقه ماء يغيره لم يمنع ; لأن التغير في محل الإزالة لا يمنع ، أشبه ما لو تغير الماء على عضوه بعجين عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					