( 1860 ) فصل : وما استأنف المسلمون فتحه  ، فإن فتح عنوة ففيه ثلاث روايات : إحداهن ، أن الإمام مخير بين قسمتها على الغانمين ، وبين وقفيتها على جميع المسلمين ; لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم نصف خيبر  ، ووقف نصفها لنوائبه 
ووقف  عمر  الشام  والعراق  ومصر  وسائر ما فتحه ، وأقره على ذلك علماء الصحابة ، وأشاروا عليه به ، وكذلك فعل من بعده من الخلفاء ، ولم يعلم أحد منهم قسم شيئا من الأرض التي افتتحوها . والثانية ، أنها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها ; لاتفاق الصحابة عليه ، وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم خيبر  كان في بدء الإسلام ، وشدة الحاجة ، فكانت المصلحة فيه ، وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض ، فكان ذلك هو الواجب . والثالثة ، أن الواجب قسمتها . 
وهو قول  مالك  ،  وأبي ثور    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، وفعله أولى من فعل غيره ، مع عموم قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه    } . الآية . يفهم منها أن أربعة أخماسها للغانمين . والرواية الأولى أولى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين جميعا في خيبر  ، ولأن  عمر  قال : لولا آخر الناس لقسمت الأرض كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر    . 
فقد وقف الأرض مع علمه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعينا ، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد وقف نصف خيبر  ، ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها . قال أبو عبيد    : تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين ; حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر  حين قسمها ، وبه أشار  بلال  وأصحابه على  عمر  في أرض الشام  ، وأشار به  الزبير  في أرض مصر  ، وحكم  عمر  في أرض السواد وغيره حين وقفه ، وبه أشار  علي  ،  ومعاذ  ، على  عمر  في أرض الشام  وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم رادا لفعل  عمر    ; لأن كل واحد منهما اتبع آية محكمة ، قال الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه    } . وقال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى    } . الآية . 
فكان كل واحد من الأمرين جائزا ، والنظر في ذلك إلى الإمام ، فما رأى من ذلك فعله . وهذا قول  الثوري  ،  وأبي عبيد    . إذا ثبت هذا فإن الاختيار المفوض إلى الإمام اختيار مصلحة ، لا اختيار تشه فيلزمه فعل ما يرى المصلحة فيه ، ولا يجوز له العدول عنه ، كالخيرة بين القتل والاسترقاق ، والفداء والمن في الأسرى ، ولا يحتاج إلى النطق بالوقف ، بل تركه له من غير قسمة هو وقفه لها ، كما أن قسمها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ ; وإن  عمر  وغيره لم ينقل عنهم في وقف الأرض لفظ الوقف ، ولأن معنى وقفها هاهنا ، أنها باقية لجميع المسلمين ، يؤخذ خراجها ، ويصرف في مصالحهم ، ولا يخص أحد بملك شيء منها ، وهذا حاصل بتركها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					