( 2014 ) مسألة : قال : ( وإذا سافر ما يقصر فيه الصلاة  ، فلا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره ) وجملته أن للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره ، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر    } ، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم {   : إن الله وضع عن المسافر الصوم   } . رواه  النسائي  ، والترمذي  ، وقال : حديث حسن . في أخبار كثيرة سواه . وأجمع المسلمون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة ، وإنما يباح الفطر في السفر الطويل ، الذي يبيح القصر ، وقد ذكرنا قدره في الصلاة . ثم لا يخلو المسافر من ثلاثة أحوال    : أحدها ، أن يدخل عليه شهر رمضان في السفر ، فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة الفطر له . 
الثاني ، أن يسافر في أثناء الشهر ليلا ، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها ، وما بعدها ، في قول عامة أهل العلم . وقال  عبيدة السلماني  ، وأبو مجلز  ،  وسويد بن غفلة    : لا يفطر من سافر بعد دخول الشهر ; لقول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه    } . وهذا قد شهده .  [ ص: 13 ] 
ولنا قول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر    } . وروى  ابن عباس  ، قال {   : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ،  ثم أفطر وأفطر الناس   } . متفق عليه . ولأنه مسافر فأبيح له الفطر ، كما لو سافر قبل الشهر ، والآية تناولت الأمر بالصوم لمن شهد الشهر كله ، وهذا لم يشهده كله . الثالث ، أن يسافر في أثناء يوم من رمضان ، فحكمه في اليوم الثاني كمن سافر ليلا ، وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه ، عن  أحمد  روايتان ; إحداهما ، له أن يفطر . 
وهو قول  عمرو بن شرحبيل  ، والشعبي  ، وإسحاق  ،  وداود  ،  وابن المنذر    ; لما روى عبيد بن جبير  ، قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري  في سفينة من الفسطاط  في شهر رمضان ، فدفع ، ثم قرب غداءه ، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ، ثم قال : اقترب ، قلت : ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة    { أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأكل   } . رواه أبو داود    . ولأن السفر معنى لو وجد ليلا واستمر في النهار لأباح الفطر ، فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض ، ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما ، فأباحه في أثناء النهار كالآخر . والرواية الثانية ، لا يباح له الفطر ذلك اليوم ، وهو قول  مكحول  ، والزهري  ،  ويحيى الأنصاري  ،  ومالك  ، والأوزاعي  ،  والشافعي  ، وأصحاب الرأي ; لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر ، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر ، كالصلاة ، والأول أصح ; للخبر ، ولأن الصوم يفارق الصلاة فإن الصلاة يلزم إتمامها بنيته ، بخلاف الصوم . 
إذا ثبت هذا فإنه لا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ، يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها . وقال الحسن    : يفطر في بيته ، إن شاء ، يوم يريد أن يخرج . وروي نحوه عن  عطاء    . قال  ابن عبد البر    : قول الحسن  قول شاذ ، وليس الفطر لأحد في الحضر في نظر ولا أثر . وقد روي عن الحسن  خلافه . وقد روى  محمد بن كعب  ، قال : { أتيت  أنس بن مالك  في رمضان ، وهو يريد السفر ، وقد رحلت له راحلته ، ولبس ثياب السفر ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنة ؟ فقال : سنة . ثم ركب .   } قال الترمذي    : هذا حديث حسن . 
ولنا قول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه    } . وهذا شاهد ، ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد ، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين ، ولذلك لا يقصر الصلاة . فأما  أنس  فيحتمل أنه قد كان برز من البلد خارجا منه ، فأتاه  محمد بن كعب  في منزله ذلك . 
				
						
						
