( 2608 ) فصل : ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان ; وقت جواز ، ووقت استحباب .  فأما وقت الثلاثة ، فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة  ، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة    . قال  طاوس    : يصوم ثلاثة أيام ، آخرها يوم عرفة    . 
وروي ذلك عن  عطاء  ، والشعبي  ،  ومجاهد  ، والحسن  ،  والنخعي  ،  وسعيد بن جبير  ،  وعلقمة  ، وعمرو بن دينار  ، وأصحاب الرأي . وروى  ابن عمر  ، وعائشة  ، أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة    . وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية . وهو قول  الشافعي    ; لأن صوم يوم عرفة  بعرفة   غير مستحب . وكذلك ذكر  القاضي  ، في " المحرر " . والمنصوص عن  أحمد  الذي وقفنا عليه مثل قول  الخرقي  ، أنه يكون آخرها يوم عرفة  ، وهو قول من سمينا من العلماء ، وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة  هاهنا ، لموضع الحاجة . 
وعلى هذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ; ليصومها في الحج ، وإن صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز . نص عليه . وأما وقت جواز صومها فإذا أحرم بالعمرة . وهذا قول  أبي حنيفة    . وعن  أحمد  أنه إذا حل من العمرة . 
وقال  مالك  ،  والشافعي    : لا يجوز إلا بعد إحرام الحج . ويروى ذلك عن  ابن عمر    . وهو قول إسحاق  ،  وابن المنذر    ; لقول الله تعالى : { فصيام ثلاثة أيام في الحج    } . ولأنه صيام واجب ، فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه ، كسائر الصيام الواجب . ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل ، فلم يجز البدل ، كقبل الإحرام بالعمرة . وقال  الثوري  ، والأوزاعي    : يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة    . 
ولنا ، أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع ، فجاز الصوم بعده ، كإحرام الحج . فأما قوله : { فصيام ثلاثة أيام في الحج    } . فقيل : معناه في أشهر الحج ، فإنه لا بد من إضمار ، إذ كان الحج أفعالا لا يصام فيها ، إنما يصام في وقتها ، أو في أشهرها . فهو في قول الله تعالى : { الحج أشهر    } . 
وأما تقديمه على وقت الوجوب ، فيجوز إذا وجد السبب ، كتقديم الكفارة على الحنث ، وزهوق النفس . وأما كونه بدلا ، فلا يقدم على المبدل ، فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج ، فكذلك الصوم . وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة ، فغير جائز . ولا نعلم قائلا بجوازه ، إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد  ، وليس بشيء ; لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه ، ويخالف قول أهل العلم .  وأحمد  ينزه عن هذا . 
وأما السبعة ، فلها أيضا وقتان ; وقت اختيار ، ووقت جواز . أما وقت الاختيار ، فإذا رجع إلى أهله ; لما روى  ابن عمر  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فمن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام  [ ص: 249 ] في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله   } . متفق عليه . 
وأما وقت الجواز ، فمنذ تمضي أيام التشريق . قال  الأثرم    : سئل  أحمد  ، هل يصوم في الطريق أو بمكة  ؟ قال : كيف شاء . وبهذا قال  أبو حنيفة  ،  ومالك    . وعن  عطاء  ،  ومجاهد    : يصومها في الطريق . وهو قول إسحاق    . 
وقال  ابن المنذر    : يصومها إذا رجع إلى أهله ; للخبر . ويروى ذلك عن  ابن عمر    . وهو قول  الشافعي    . وقيل عنه كقولنا ، وكقول إسحاق    . 
ولنا ، أن كل صوم لزمه ، وجاز في وطنه ، جاز قبل ذلك ، كسائر الفروض . وأما الآية ، فإن الله تعالى جوز له تأخير الصيام الواجب ، فلا يمنع ذلك الإجزاء قبله ، كتأخير صوم رمضان في السفر والمرض ، بقوله سبحانه : { فعدة من أيام أخر    } . ولأن الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه ، فأجزأه ، كصوم المسافر والمريض . ( 2609 ) فصل : ولا يجب التتابع  ، وذلك لا يقتضي جمعا ولا تفريقا . وهذا قول  الثوري  ، وإسحاق  ، وغيرهما . ولا نعلم فيه مخالفا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					