( 2713 ) مسألة ; قال : ( وإن كان ساقه تطوعا ، نحره في موضعه ، وخلى بينه وبين المساكين ، ولم يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته ، ولا بدل عليه ) وجملة ذلك أن من تطوع بهدي غير واجب  ، لم يخل من حالين ; أحدهما ، أن ينويه هديا ، ولا يوجب بلسانه ولا بإشعاره وتقليده ، فهذا لا يلزمه إمضاؤه ، وله أولاده ونماؤه والرجوع فيه متى شاء ، ما لم يذبحه ; لأنه نوى الصدقة بشيء من ماله ، فأشبه ما لو نوى الصدقة بدرهم . 
الثاني ، أن يوجبه بلسانه ، فيقول : هذا هدي . أو يقلده أو يشعره ، ينوي بذلك إهداءه ، فيصير واجبا معينا ، يتعلق الوجوب بعينه دون ذمة صاحبه ، ويصير في يدي صاحبه كالوديعة ، يلزمه حفظه وإيصاله إلى محله ، فإن تلف بغير تفريط منه ، أو سوق ، أو ضل ، لم يلزمه شيء ; لأنه لم يجب في الذمة ، إنما تعلق الحق بالعين ، فسقط بتلفها ، كالوديعة . 
وقد روى  الدارقطني  ، بإسناده عن  ابن عمر  رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من أهدى تطوعا ، ثم ضلت ، فليس عليه البدل ، إلا أن يشاء ، فإن كان نذرا ، فعليه البدل   } . 
وفي رواية ، قال : { من أهدى تطوعا ، ثم عطب فإن شاء أبدل ، وإن شاء أكل ، وإن كان  [ ص: 286 ] نذرا فليبدل   } . فأما إن أتلفه ، أو تلف بتفريطه ، فعليه ضمانه ; لأنه أتلف واجبا لغيره ، فضمنه ، كالوديعة . 
وإن خاف عطبه ، أو عجز عن المشي وصحبة الرفاق ، نحره موضعه ، وخلى بينه وبين المساكين ، ولم يبح له أكل شيء منه ، ولا لأحد من صحابته ، وإن كانوا فقراء ، ويستحب له أن يضع نعل الهدي المقلد في عنقه في دمه ، ثم يضرب به صفحته ، ليعرفه الفقراء ، فيعلموا أنه هدي ، وليس بميتة ، فيأخذوه . وبهذا قال  الشافعي  ،  وسعيد بن جبير    . وروي عن  ابن عمر  أنه أكل من هديه الذي عطب ، ولم يقض مكانه . 
وقال  مالك    : يباح لرفقته ، ولسائر الناس ، غير صاحبه أو سائقه ، ولا يأمر أحدا يأكل منه ، فإن أكل ، أو أمر من أكل ، أو حز شيئا من لحمه ، ضمنه . واحتج  ابن عبد البر  لذلك ، بما روى  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن ناجية بنت كعب  ، صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يا رسول الله ، كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ قال : انحره ، ثم اغمس قلائده في دمه ، ثم اضرب بها صفحة عنقه ، ثم خل بينه وبين الناس   } . قال : وهذا أصح من حديث  ابن عباس  ، وعليه العمل عند الفقهاء . ويدخل في عموم قوله : " وخل بينه وبين الناس " . رفقته وغيرهم . 
ولنا ، ما روى  ابن عباس  ، أن ذؤيبا أبا قبيصة  حدثه { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه البدن ، ثم يقول : إن عطب منها شيء ، فخشيت عليها ، فانحرها ، ثم اغمس نعلها في دمها ، ثم اضرب به صفحتها ، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك   } . رواه  مسلم    . وفي لفظ رواه الإمام  أحمد    : { ويخليها والناس ، ولا يأكل منها هو ولا أحد من أصحابه   } . وقال سعيد  حدثنا إسماعيل بن إبراهيم  ، عن  أبي التياح  ، عن موسى بن سلمة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ، أنه بعث بثماني عشرة بدنة مع رجل ، وقال : إن ازدحف عليك منها شيء ، فانحرها ، ثم اصبغ نعلها في دمها ، ثم اضرب بها في صفحتها ، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك   } . 
وهذا صحيح متضمن للزيادة ، 
ومعنى خاص ، فيجب تقديمه على عموم ما خالفه . 
ولا تصح التسوية بين رفقته وبين سائر الناس ; لأن الإنسان يشفق على رفقته ، ويحب التوسعة عليهم ، وربما وسع عليهم من مؤنته . وإنما منع السائق ورفقته من الأكل منها ; لئلا يقصر في حفظها ، فيعطبها ليأكل هو ورفقته منها ، فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته ، فحرموها لذلك . فإن أكل منها ، أو باع أو أطعم غنيا ، أو رفقته ، ضمنه بمثله لحما . 
وإن أتلفها ، أو تلفت بتفريطه ، أو خاف عطبها ، فلم ينحرها حتى هلكت ، فعليه ضمانها بما يوصله إلى فقراء الحرم ; لأنه لا يتعذر عليه إيصال الضمان إليهم ، بخلاف العاطب . وإن أطعم منها فقيرا ، أو أمره بالأكل منها ، فلا ضمان عليه ; لأنه أوصله إلى المستحق ، فأشبه ما لو أطعم فقيرا بعد بلوغه محله ، وإن تعيب ذبحه أجزأه . 
وقال  أبو حنيفة    : لا يجزئه ، إلا أن يحدث العيب به بعد إضجاعه للذبح . ولنا ، أنه لو عطب لم يلزمه شيء ، فالعيب أولى ; لأن العطب يذهب بجميعه ، والعيب ينقصه . ولأنه عيب حدث بعد وجوبه ، فأشبه ما لو حدث بعد إضجاعه . 
وإن تعيب بفعل آدمي ، فعليه ما نقصه من القيمة ، يتصدق به . وقال  أبو حنيفة    : يباع جميعه ، ويشترى هدي . وبنى ذلك على أنه لا يجزئ ، وقد بينا أنه مجزئ . 
				
						
						
