( 717 ) مسألة : قال : ( ويكون أول ما يقع منه على الأرض  ركبتاه ، ثم يداه ، ثم جبهته وأنفه ) هذا المستحب في مشهور المذهب ، وقد روي ذلك عن  عمر  رضي الله عنه وبه قال مسلم بن يسار  ،  والنخعي  ،  وأبو حنيفة  ،  والثوري  ،  والشافعي    . وعن  أحمد  رواية أخرى أنه يضع يديه قبل ركبتيه . وإليه ذهب  مالك    ; لما روي عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير   } . رواه  النسائي    . 
ولنا ، ما روى  وائل بن حجر  ، قال {   : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه   } . أخرجه أبو داود  ،  والنسائي  ، والترمذي    . قال  الخطابي    : هذا أصح من حديث  أبي هريرة    . وروي عن  أبي سعيد  ، قال : { كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين .   } وهذا يدل على نسخ ما تقدمه ، وقد روى  الأثرم  حديث  أبي هريرة    {   : إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ، ولا يبرك بروك الفحل   } . 
( 718 ) فصل : والسجود على جميع هذه الأعضاء واجب ، إلا الأنف ، فإن فيه خلافا سنذكره إن شاء  [ ص: 304 ] الله ، وبهذا قال  طاوس  ،  والشافعي  في أحد قوليه وإسحاق    . 
وقال  مالك  ،  وأبو حنيفة  ،  والشافعي  في القول الآخر : لا يجب ، السجود على غير الجبهة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { سجد وجهي   } . وهذا يدل على أن السجود على الوجه ، ولأن الساجد على الوجه يسمى ساجدا ، ووضع غيره على الأرض لا يسمى به ساجدا ، فالأمر بالسجود ينصرف إلى ما يسمى به ساجدا دون غيره ، ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة . وذكر الآمدي  هذا رواية عن  أحمد    . وقال القاضي في " الجامع " : وهو ظاهر كلام  أحمد    ; فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه ، أنه يجزئه ، ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه . ولنا ما روى  ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : أمرت بالسجود على سبعة أعظم ; اليدين ، والركبتين ، والقدمين ، والجبهة   } . متفق عليه . وروي عن  ابن عمر  رفعه {   : إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه ، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ، وإذا رفعه فليرفعهما   } . رواه الإمام  أحمد  ، وأبو داود  ،  والنسائي    . 
وسجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه ، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود ، فإنا نقول كذلك في الجبهة على رواية ، وعلى الرواية الأخرى فإن الجبهة هي الأصل ، وهي مكشوفة عادة ، بخلاف غيرها ، فإن أخل بالسجود بعضو من هذه الأعضاء ، لم تصح صلاته عند من أوجبه ، وإن عجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء ، سجد على بقيتها ، وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه ; ولم يجب عليه أن يرفع إليه شيئا ; لأن السجود هو الهبوط ، ولا يحصل ذلك برفع المسجود عليه ، وإن سقط السجود على الجبهة ، لعارض من مرض أو غيره ، سقط عنه السجود على غيره ; لأنه الأصل وغيره تبع له ، فإذا سقط الأصل سقط التبع ، ولهذا قال  أحمد  في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه : إنه يجزئه . 
( 719 ) فصل : وفي الأنف روايتان : إحداهما ، يجب السجود عليه . وهذا قول  سعيد بن جبير  ، وإسحاق  ،  وأبي خيثمة  ،  وابن أبي شيبة    ; لما روي عن  ابن عباس  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ; الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين ، وأطراف القدمين   } . متفق عليه ، وإشارته إلى أنفه تدل على أنه أراده ، وفي لفظ رواه  النسائي  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين   } . 
وروى عكرمة  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما تصيب الجبهة .   } رواه  الأثرم  ، والإمام  أحمد  ، ورواه أبو بكر بن عبد العزيز  ،  والدارقطني  في الأفراد متصلا ، عن عكرمة  ، عن  ابن عباس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه مرسل . والرواية الثانية ، لا يجب السجود عليه . وهو قول  عطاء  ،  وطاوس  ، وعكرمة  ، والحسن  ،  وابن سيرين  ،  والشافعي  ،  وأبي ثور  ، وصاحبي  أبي حنيفة    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم   } . 
ولم يذكر الأنف فيها ، وروي أن  جابرا  قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر .   } رواه تمام  ، في " فوائده " ، وغيره ، وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف . وروي عن  أبي حنيفة  ، أنه إن سجد على أنفه دون جبهته ، أجزأه . قال  ابن المنذر    : لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ، ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو  [ ص: 305 ] واحد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الجبهة أشار إلى أنفه ، والعضو الواحد يجزئه السجود على بعضه . وهذا قول يخالف الحديث الصحيح والإجماع الذي قبله ، فلا يصح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					