( 784 ) مسألة : قال : والمأموم إذا سمع قراءة الإمام فلا يقرأ بالحمد ، ولا بغيرها ، لقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون    } . ولما روى  أبو هريرة  رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما لي أنازع القرآن ؟ ، قال : فانتهى الناس أن يقرءوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم   } وجملة ذلك أن المأموم إذا كان يسمع قراءة الإمام ، لم تجب عليه القراءة ، ولا تستحب عند إمامنا ، والزهري  ،  والثوري  ،  ومالك  ،  وابن عيينة  ،  وابن المبارك  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي . 
وهذا أحد قولي  الشافعي  ، ونحوه عن  سعيد بن المسيب  ،  وعروة بن الزبير  ،  وأبي سلمة بن عبد الرحمن  ،  وسعيد بن جبير  ، وجماعة من السلف    . والقول الآخر  للشافعي  قال : يقرأ فيما جهر فيه الإمام . ونحوه عن  الليث  ، والأوزاعي  ، وابن عون  ومكحول  ،  وأبي ثور  ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب   } . متفق عليه . 
وعن  عبادة بن الصامت  ، قال : { كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، فقرأ ، فثقلت عليه القراءة ، فلما فرغ قال : لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قلنا : نعم يا رسول الله ، قال : فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها .   } رواه  الأثرم  ، وأبو داود    . وروي عن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، فهي خداج ، فهي خداج ، غير تمام   } . قال الراوي : يا  أبا هريرة  ، إني أكون أحيانا وراء الإمام ؟ قال : فغمز ذراعي ، وقال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي . رواه  مسلم  ، وأبو داود  ، ولأنها ركن في الصلاة فلم تسقط عن المأموم ، كسائر أركانها ، ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة مع القدرة ، كالإمام والمنفرد . 
ولنا قول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون    } . وقال  أحمد    : فالناس على أن هذا في الصلاة . قال  سعيد بن المسيب  ، والحسن  ،  وإبراهيم  ،  ومحمد بن كعب  ، والزهري    : إنها نزلت في شأن الصلاة . وقال  زيد بن أسلم  ،  وأبو العالية    : كانوا يقرءون خلف الإمام ، فنزلت : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له  [ ص: 330 ] وأنصتوا لعلكم ترحمون    } . 
وقال  أحمد  ، في رواية أبي داود    : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة . ولأنه عام فيتناول بعمومه الصلاة ، وروى  أبو هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما جعل الإمام ليؤتم به . فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا   } . رواه  مسلم    . والحديث الذي رواه  الخرقي  ، رواه  مالك  ، عن ابن شهاب  ، عن ابن أكيمة الليثي  عن  أبي هريرة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة فقال : هل قرأ معي أحد منكم ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله ، قال : ما لي أنازع القرآن . قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه من الصلوات ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم .   } أخرجه  مالك  ، في الموطأ ، وأبو داود  ، والترمذي  ، وقال : حديث حسن ، ورواه  الدارقطني  بلفظ آخر ، قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، فلما قضاها قال : هل قرأ أحد منكم معي بشيء من القرآن ؟ فقال رجل من القوم : أنا يا رسول الله ، فقال : إني أقول : ما لي أنازع القرآن ؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرءوا ، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأن معي أحد   } . 
ولأنه إجماع فإنه إجماع ، قال  أحمد  ، ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول : إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه إذا لم يقرأ . وقال : هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون ، وهذا  مالك  في أهل الحجاز  وهذا  الثوري  ، في أهل العراق  ، وهذا الأوزاعي  ، في أهل الشام  ، وهذا  الليث  ، في أهل مصر  ، ما قالوا لرجل صلى خلف الإمام ، وقرأ إمامه ، ولم يقرأ هو : صلاته باطلة . 
ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره ، كقراءة السورة ، يحققه أنها لو وجبت على غير المسبوق لوجبت على المسبوق ، كسائر أركان الصلاة . فأما حديث  عبادة  ، الصحيح ، فهو محمول على غير المأموم ، وكذلك حديث  أبي هريرة  ، وقد جاء مصرحا به رواه  الخلال  ، بإسناده عن  جابر  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، إلا أن تكون وراء الإمام   } وقد روي أيضا موقوفا عن  جابر    . وقول  أبي هريرة    : اقرأ بها في نفسك . من كلامه ، وقد خالفه  جابر  ،  وابن الزبير  ، وغيرهما ، ثم يحتمل أنه أراد : اقرأ بها في سكتات الإمام ، أو في حال إسراره . 
فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : { إذا قرأ الإمام فأنصتوا   } ، والحديث الآخر ، وحديث  عبادة  الآخر ، لم يروه غير  ابن إسحاق    . كذلك قاله الإمام  أحمد  ، وقد رواه أبو داود  ، عن مكحول  ، عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري    . وهو أدنى حالا من  ابن إسحاق    . فإنه غير معروف من أهل الحديث وقياسهم يبطل بالمسبوق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					