( 1219 ) مسألة ; قال : ( ومن مر بين يدي المصلي فليردده ) وجملته أنه ليس لأحد أن يمر بين يدي المصلي إذا لم يكن بين يديه سترة ، فإن كانت بين يديه سترة لم يمر أحد بينه وبينها ; لما روى أبو جهم الأنصاري  ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم ، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه   } . متفق عليه . 
 ولمسلم    : { لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي   } . وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الذي يمر بين يدي المصلي شيطانا ، وأمر برده ومقاتلته . وروي عن يزيد بن نمران  أنه قال : رأيت رجلا بتبوك  مقعدا ، فقال {   : مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي ، فقال : اللهم اقطع أثره فما مشيت عليها بعد   } . رواه أبو داود    . وفي لفظ قال {   : قطع صلاتنا ، قطع الله أثره   } . 
وإن أراد أحد المرور بين يدي المصلي  ، فله منعه في قول أكثر أهل العلم ; منهم  ابن مسعود  ،  وابن عمر  ، وسالم    . وهو قول  الشافعي  ،  وأبي ثور  ، وأصحاب الرأي . ولا أعلم فيه خلافا ، والأصل فيه ما روى  أبو سعيد  ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول {   : إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس ، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان   } . متفق عليه . ورواه أبو داود  ، ولفظ روايته {   : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان   } . 
ومعناه : أي ليدفعه . وهذا في أولي الأمر لا يزيد على دفعه ، فإن أبى ، ولج ، فليقاتله ، أي يعنفه في دفعه من المرور ، فإنما هو شيطان ، أي فعله فعل الشيطان ، أو الشيطان يحمله على ذلك . 
وقيل معناه : أن معه شيطانا . وأكثر الروايات عن أبي عبد الله  ، أن المار بين يدي المصلي إذا لج في المرور ، وأبى الرجوع ، أن المصلي يشتد عليه في الدفع ، ويجتهد في رده ، ما لم يخرجه ذلك إلى إفساد صلاته بكثرة العمل فيها . وروي عنه أنه قال : يدرأ ما استطاع ، وأكره القتال في الصلاة . 
وذلك لما يفضي إليه من الفتنة وفساد الصلاة ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر برده ودفعه حفظا للصلاة عما ينقصها ، فيعلم أنه لم يرد ما يفسدها ويقطعها بالكلية ، فيحمل لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الأول . والله أعلم . وقد روت  أم سلمة    ; قالت {   : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة  أم سلمة  ، فمر بين يديه عبد الله  ، أو  عمر بن أبي سلمة    . فقال بيده ، فرجع ، فمرت  زينب بنت أم سلمة  ، فقال بيده هكذا ، فمضت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هن أغلب   } . رواه  ابن ماجه    . 
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتهد في الدفع .  [ ص: 42 ] فصل : يستحب أن يرد ما مر بين يديه من كبير وصغير ، وإنسان وبهيمة ; لما روينا من رد النبي صلى الله عليه وسلم  عمر  وزينب  وهما صغيران ، وفي حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جدر ، فاتخذه قبلة ونحن خلفه ، فجاءت بهيمة تمر بين يديه ، فما زال يدرأ بها حتى لصق بطنه بالجلد ، فمرت من ورائه . 
( 1221 ) فصل : فإن مر بين يديه إنسان فعبر ، لم يستحب رده من حيث جاء    . وهذا قول الشعبي  ،  والثوري  ، وإسحاق  ،  وابن المنذر  ، وروي عن  ابن مسعود    ; أنه يرده من حيث جاء ، وفعله سالم    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده ، فتناول العابر . ولنا ، أن هذا مرور ثان ، فينبغي أن لا ينسب إليه كالأول ، ولأن المار لو أراد أن يعود من حيث جاء لكان مأمورا بمنعه ، ولم يحل للعابر العود ، والحديث لم يتناول العابر ، إنما في الخبر {   : فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه   } . 
وبعد العبور فليس هذا مريدا للاجتياز . ( 1222 ) فصل : والمرور بين يدي المصلي ينقص الصلاة ولا يقطعها    . قال  أحمد    : يضع من صلاته ، ولكن لا يقطعها . وروي عن  ابن مسعود  ، أن ممر الرجل يضع نصف الصلاة . وكان  عبد الله  إذا مر بين يديه رجل التزمه حتى يرده . رواه  البخاري  بإسناده . 
قال  القاضي    : ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله ، أما إذا رد فلم يمكنه الرد فصلاته تامة ; لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة ، فلا يؤثر فيها ذنب غيره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					