1291 - مسألة : وموت الأجير ، أو موت المستأجر ، أو هلاك الشيء المستأجر ، أو عتق العبد المستأجر ، أو بيع الشيء المستأجر من الدار ، أو العبد ، أو الدابة ، أو غير ذلك ، أو خروجه عن ملك مؤاجره  بأي وجه خرج كل ذلك يبطل عقد الإجارة فيما بقي من المدة خاصة - قل أو كثر وينفذ العتق ، والبيع ، والإخراج عن الملك بالهبة ، والإصداق ، والصدقة . 
برهان ذلك : قول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها    } . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام   } . 
وإذا مات المؤاجر  فقد صار ملك الشيء المستأجر لورثته أو للغرماء ، وإنما استأجر المستأجر منافع ذلك الشيء ، والمنافع إنما تحدث شيئا بعد شيء ، فلا يحل له الانتفاع بمنافع حادثة في ملك من لم يستأجر منه شيئا قط ، وهذا هو أكل المال بالباطل جهارا .  [ ص: 6 ] ولا يلزم الورثة في أموالهم عقد ميت قد بطل ملكه عن ذلك الشيء ، ولو أنه آجر منافع حادثة في ملك غيره لكان ذلك باطلا بلا خلاف وهذا هو ذلك بعينه . 
وأما موت المستأجر    : فإنما كان عقد صاحب الشيء معه لا مع ورثته فلا حق له عند الورثة ، ولا عقد له معهم ، ولا ترث الورثة منافع لهم تخلق بعد ، ولا ملكها مورثهم قط - وهذا في غاية البيان - وبالله تعالى التوفيق . 
وهو قول الشعبي  ،  وسفيان الثوري  ،  والليث بن سعد  ،  وأبي حنيفة  ،  وأبي سليمان  ، وأصحابهما . 
ومن طريق  ابن أبي شيبة  نا  عبد الله بن إدريس الأودي  عن  مطرف بن طريف  عن الشعبي  قال : ليس لميت شرط . 
ومن طريق  ابن أبي شيبة  نا عبد الصمد - هو ابن عبد الوارث    - عن  حماد بن سلمة  عن حميد  عن  الحكم بن عتيبة  فيمن آجر داره عشر سنين فمات قبل ذلك ؟  قال : تنتقض الإجارة . وقال  مكحول    : قال  ابن سيرين  ،  وإياس بن معاوية    : لا تنتقض ، وقال  عثمان البتي  ،  ومالك  ،  والشافعي  ، وأصحابهما : لا تنتقض الإجارة بموتهما ، ولا بموت أحدهما . 
وأقصى ما احتجوا به أن قالوا : عقد الإجارة قد صح ، فلا يجوز أن ينتقض إلا ببرهان . قلنا : صدقتم ، وقد جئناكم بالبرهان . 
وقالوا : فكيف تصنعون في الأحباس ؟ قلنا : رقبة الشيء المحبس لا مالك لها إلا الله ، وإنما للمحبس عليهم المنافع فقط ، فلا تنتقض الإجارة بموت أحدهم ، ولا بولادة من يستحق بعض المنفعة ، لكن إن مات المستأجر انتقضت الإجارة لما ذكرنا من أن عقده قد بطل بموته ولا يلزم غيره ، إذ النص من القرآن قد أبطل ذلك بقوله عز وجل : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها    } . 
فإن قالوا : قد ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  اليهود  ، وملكها للمسلمين ، بلا شك فقد مات من المسلمين قوم ومن اليهود  قوم والمساقاة باقية .  [ ص: 7 ] قلنا : إن هذا الخبر حق ولا حجة لهم فيه ، بل وهو حجة لنا عليهم لوجوه أربعة : 
أولها - أن ذلك العقد لم يكن إلى أجل محدود ، بل كان مجملا يخرجونهم إذا شاءوا ، ويقرونهم ما شاءوا ، كما نذكره في " المساقاة " إن شاء الله تعالى - وليست الإجارة هكذا . 
والثاني - أنه إن كان لم ينقل إلينا تجديد عقده صلى الله عليه وسلم أو عامله الناظر على تلك الأموال مع ورثة من مات من اليهود ، وورثة من مات من المسلمين ، فلم يأت أيضا ، ولا نقل أنه اكتفى بالعقد الأول عن تجديد آخر ، فلا حجة لهم فيه ، ولا لنا ، بل لا شك في صحة تجديد العقد في ذلك . 
والثالث - أنهم لا يقولون بما في هذا الخبر ، ومن الباطل احتجاج قوم بخبر لا يقولون به على من يقول به ، وهذا معكوس . 
والرابع - أن هذا الخبر إنما هو في " المساقاة والمزارعة " وكلامنا ههنا في الإجارة وهي أحكام مختلفة ، وأول من يخالف بينهما ، فالمالكيون والشافعيون المخالفون لنا في هذا المكان ، فلا يجيزان المزارعة أصلا ، قياسا على الإجارة ، ولا يريان للمساقاة حكم الإجارة ، فمن المحال أن لا يقيسوا الإجارة عليهما وهم أهل القياس ثم يلزموننا أن نقيسها عليهما ونحن نبطل القياس - وبالله تعالى التوفيق . 
وأما البيع ، والهبة ، والعتق ، والإصداق ، وغير ذلك ، فإن الله تعالى يقول : { وأحل الله البيع    } ويقول { المصدقين والمصدقات    } . ويقول { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة    } . 
وحض على العتق ، فعم تعالى ولم يخص ، فكل ذلك في كل ما يملكه المرء ، فإذا نفذ كل ذلك فيه فقد خرج عن ملك مالكه ، فإذا خرج عن ملكه فقد بطل عقده فيه ، إذ لا حكم له في مال غيره . 
ولا يحل للمستأجر منافع حادثة في ملك غير مؤاجره ، وخدمة حر لم يعاقده قط ، لأنها حرام عليه ، لأنها بغير طيب نفس مالكها ، وبغير طيب نفس الحر ، فهو أكل مال  [ ص: 8 ] بالباطل ، فإن ذكروا قول الله تعالى : { أوفوا بالعقود    } وهذا عقد لازم حق . قلنا : نعم ، هو مأمور بالوفاء بالعقد في ماله لا في مال غيره ، بل هو محرم عليه التصرف في مال غيره . فإن قالوا : إخراجه للشيء الذي آجر من ملكه إبطال للوفاء بالعقد الذي هو مأمور بالوفاء به . قلنا : وقولكم لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما أصلا : 
إما أن تمنعوه من إخراجه عن ملكه بالوجوه التي أباح الله تعالى له إخراجه بها عن ملكه بسبب عقد الإجارة . 
وإما أن تبيحوا له إخراجه عن ملكه بالوجوه التي أباح الله تعالى له إخراجه بها عن ملكه - لا بد من أحدهما . 
فإن منعتموه إخراجه عن ملكه بالوجوه التي أباح الله تعالى له إخراجه بها عن ملكه كنتم قد خالفتم الله عز وجل ، وحرمتم ما أحل ، وهذا باطل . 
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله - عز وجل - من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق   } . 
فصح يقينا أن شرطهما في عقد الإجارة لا يمنع ما في كتاب الله تعالى من إباحة البيع والهبة والصدقة والإصداق ، وأن شرط الله تعالى في إباحة كل ذلك أحق من شرطهما في عقد الإجارة وأوثق ، ومتقدم له ، فإنما يكون عقدهما الإجارة على جواز ما في كتاب الله تعالى ، لا على المنع منه ومخالفته . 
وإن قلتم : بل نجيز له كل ذلك ويبقى عقد الإجارة مع كل ذلك .  [ ص: 9 ] قلنا : خالفتم قول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها    } فأوجبتم أن تكسب على غيره ، وأن ينفذ عقده في مال غيره . 
وخالفتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام   } فأبحتم للمستأجر مال غيره ، وأبحتم له مال من لم يعقد معه قط فيه عقدا ، ومنعتم صاحب الحق من حقه وهذا حرام ، وأوجبتم للبائع أن يأخذ إجارة على منافع حادثة في مال غيره ، وعن خدمة حر لا ملك له عليه ; وهذا أكل مال بالباطل وأكل إجارة مال حرام عليه عينه والتصرف فيه - وهذا كله ظلم وباطل بلا شك وقولنا هذا هو قول الشعبي  ،  والحسن البصري  ،  وسفيان الثوري  ، وغيرهم . 
ومن طريق  ابن أبي شيبة  نا  عبد الوهاب الثقفي  عن خالد الحذاء  عن  إياس بن معاوية  فيمن دفع غلامه إلى رجل يعلمه ثم أخرجه قبل انقضاء شرطه ، قال : يرد على معلمه ما أنفق عليه . 
ومن طريق  ابن أبي شيبة  نا غندر  عن  شعبة  عن  الحكم بن عتيبة  فيمن أجر غلامه سنة فأراد أن يخرجه ، قال : له أن يأخذه . قال حماد    : ليس له إخراجه إلا من مضرة . 
وروينا من طريق  عبد الرزاق  عن  معمر  عن أيوب  عن  الحسن البصري  قال : البيع يقطع الإجارة . قال  أيوب  لا يقطعها ، قال  معمر    : وسألت  ابن شبرمة  عن البيع أيقطع الإجارة ؟ قال نعم ، قال  عبد الرزاق    : وقال  سفيان الثوري    : الموت والبيع يقطعان الإجارة . 
قال  أبو محمد    : وقال  مالك   وأبو يوسف  ،  والشافعي    : إن علم المشتري بالإجارة فالبيع صحيح ، ولا يأخذ الشيء الذي اشترى إلا بعد تمام مدة الإجارة . 
وكذلك العتق نافذ والهبة ، وعلى المعتق إبقاء الخدمة ، وتكون الأجرة في كل ذلك للبائع ، والمعتق والواهب قالوا : فإن لم يعلم بالبيع ، فهو مخير بين إنفاذ البيع وتكون الإجارة للبائع أو رده ، لأنه لا يمتنع من الانتفاع بما اشترى - وهذا فاسد بما أوردنا آنفا . 
وقال  أبو حنيفة  قولين - أحدهما : أن للمستأجر نقض البيع . والآخر : أنه مخير  [ ص: 10 ] بين الرضا بالبيع وبين أن لا يرضى به ، فإن رضي به بطلت إجارته . 
وإن لم يرض به كان المشتري مخيرا بين إمضاء البيع والصبر حتى تنقضي مدة الإجارة ، وبين فسخ البيع لتعذر القبض . 
قال  أبو محمد    : هذان قولان في غاية الفساد والتخليط ، لا يعضدهما قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد نعلمه قبل  أبي حنيفة  ، ولا قياس ، ولا رأي سديد . 
وليت شعري إذا جعل للمستأجر الخيار في فسخ البيع ، أترونهم يجعلون له الخيار أيضا في رد المعتق أو إمضائه ؟ إن هذا لعجب أو يتناقضون في ذلك ؟ ولا يحل في شيء مما ذكرنا من خروج الشيء المستأجر عن ملك المؤاجر ببيع ، أو عتق ، أو هبة ، أو صدقة ، أو إصداق أن يشترط على المعتق ، وعلى من صار إليه الملك : بقاء الإجارة ، لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى ، فهو باطل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					