الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 449 ] مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز بيع القمح بدقيق القمح وسويق القمح وبخبز القمح ودقيق القمح بدقيقه وبسويقه وخبزه ، وسويقه بسويقه وبخبزه ، وخبز القمح بخبز القمح ، متفاضلا كل ذلك ، ومتماثلا ، وجزافا والزيتون بالزيت والزيتون ، والزيت بالزيت ، والعنب بالعنب وبالعصير ، وبخل العنب بالخل ، يدا بيد وأن يسلم كل ما ذكرنا بعضه في بعض .

                                                                                                                                                                                          وكذلك دقيق الشعير بالقمح وبالشعير وبدقيق الشعير وبخبزه ، والتين بالتين ، والزبيب بالزبيب ، والأرز بالأرز ، كيف شئت متفاضلا ، ومتماثلا ; ويسلم بعضه في بعض .

                                                                                                                                                                                          ولا ربا ألبتة ، ولا حرام ، إلا في الأصناف الستة التي قدمنا وفي العنب بالزبيب كيلا ، ويجوز وزنا كيف شئت .

                                                                                                                                                                                          وفي الزرع القائم بالقمح كيلا ، فإن كان الزرع ليس قمحا ولا شعيرا ولا سنبل بعد : فقد جاز بيعه بالشعير كيلا وبكل شيء ما عدا القمح كيلا .

                                                                                                                                                                                          وأجاز المالكيون السويق من القمح بالقمح متفاضلا .

                                                                                                                                                                                          وأجاز الحنفيون خبز القمح بالقمح متفاضلا وكل ذلك أصله القمح ، ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : ما أوردنا قبل من أنه لا ربا ولا حرام إلا ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا }

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }

                                                                                                                                                                                          { وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف في كيل معلوم ، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم } وقال الله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم }

                                                                                                                                                                                          فصح بأوضح من الشمس أن كل تجارة ، وكل بيع ، وكل سلف في كيل معلوم ، أو وزن معلوم إلى أجل معلوم : فحلال مطلق لا مرية في ذلك ، إلا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه على لسان رسوله عليه السلام .

                                                                                                                                                                                          ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ونبت ونقطع بأن الله تعالى لم يحرم على عباده شيئا [ ص: 450 ] كتمه عنهم ولم يبينه رسوله عليه السلام لهم ، وأنه تعالى لم يكلنا فيما حرم علينا إلى ظنون أبي حنيفة ، ومالك ، الشافعي ، أو غيرهم ، ولا إلى ظنوننا ولا إلى ظن أحد ، ولا إلى دعاوى لا برهان عليها .

                                                                                                                                                                                          وما وجدنا عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيتون بالزيت ثم اتبعه عليه الشافعي ، وإن كان لم يصرح به ، وأجازه أبو حنيفة وأصحابه إذا كان الزيت أكثر مما في الزيتون من الزيت وإلا فلا .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : هي مزابنة ؟ قلنا : قلتم الباطل ، قد فسر المزابنة : أبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر رضي الله عنهم وهم أعلم الناس باللغة وبالدين فلم يذكروا شيئا من هذه الوجوه فيه أصلا

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قسنا ذلك على الرطب بالتمر ، والزبيب بالعنب كيلا ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ثم هذه منه عين الباطل ، لأن الزبيب هو عين العنب نفسه ، إلا أنه يبس ، والتمر هو عين الرطب إلا أنه يابس والزيت هو شيء آخر غير الزيتون لكنه خارج منه كخروج اللبن من الغنم ، والتمر من النخل ، وبيع كل ذلك بما يخرج منه : جائز بلا خلاف . فهذا أصح في القياس لو صح القياس يوما ما .

                                                                                                                                                                                          وقد ذكرنا أقوالهم المختلفة المتناقضة وكل قول منها يكذب قول الآخر ويبطله ، ويشهد عليه بالخطأ ، كل ذلك بلا برهان والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه علينا كثيرا ، وهذا قول أبي سليمان وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبيدة بن حميد عن مطرف هو ابن طريف عن الشعبي : أنه سئل عن السويق بالحنطة ؟ فقال : إن لم يكن ربا فهو ريبة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة أنا جرير عن ليث عن مجاهد قال : لا بأس بالحنطة بالسويق ، والدقيق بالحنطة والسويق ، فلم يشترط المماثلة ، وقد ذكرنا أقوال الصحابة ومن بعدهم في المزابنة فأغنى عن تكراره

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية