( قال ) : ولو قال : إن فعلت كذا فعلي هدي ففعله كان عليه ما استيسر من الهدي شاة ; لأن اسم الهدي عند الإطلاق يتناول الإبل والبقر والغنم فإن هذه الحيوانات يتقرب بإراقة دمها إلا أن عند الإطلاق يلزمه المتيقن وهو الشاة ، فإن نوى الإبل أو البقر كان عليه ما نوى ; لأنه شدد الأمر على نفسه في نيته ونوى التعظيم فيما التزمه من الهدي فيلزمه ما نوى ولا يذبحها إلا بمكة لتصريحه بالهدي ، فإن كان قال : علي بدنة ، فإن كان نوى شيئا من البدن بعينه فعليه ما نوى ; لأن المنوي إذا كان من محتملات كلامه فهو كالمصرح به ، وإن لم يكن له نية فعليه بقرة أو جزور ; لأن اسم البدنة مشتق من البدانة وهي الضخامة والعظم ، وذلك لا يتناول الشاة ، وإنما يتناول البقرة والجزور هكذا نقل عن علي وابن عباس رضي الله عنهما . وعن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أن لفظة البدنة لا تتناول إلا الجزور فإن سائلا سأل [ ص: 137 ] ابن مسعود رضي الله عنه أن صاحبا لنا أوجب بدنة أفتجزي البقرة ، فقال : مم صاحبكم ، فقال : من بني رباح ، فقال : ومتى اقتنت بنو رباح البقر ، وإنما وهم صاحبكم الإبل ثم إن كان نوى أن ينحرها بمكة فليس له أن ينحرها إلا بمكة كما نوى لأن المنوي كالمصرح به ، وإن كان لم يكن له نية نحرها حيث شاء في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى : لا يجزئه إلا أن ينحرها بمكة وجه قوله أنه التزم التقرب بإراقة الدم ، وإراقة الدم لا تكون قربة إلا في مكان مخصوص أو زمان مخصوص ، وإذا لم يختص هنا بالزمان يختص بالمكان وهو الحرم كما لو أوجبه بلفظة الهدي وهما قالا : كما لا يختص بالزمان ; لأنه ليس في لفظه ما يدل عليه فكذلك لا يختص بالمكان ; لأنه ليس في لفظة البدنة ما يدل عليه بخلاف لفظة الهدي ، وإذا لم يكن في لفظه ما يدل على مكان أو زمان عرفنا أن مراده التزام التقرب والتصدق باللحم ، وذلك يحصل في أي موضع نحر ، وهو قياس ما لو قال : لله علي جزور كان له أن ينحر في أي مكان شاء ، ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى يفرق بينهما فيقول : لا عادة في استعمال لفظة الجزور في معنى الهدي بخلاف لفظة البدنة ، ألا ترى أن اسم البدنة لا ينطلق إلا على ما هو معد للقربة كاسم الهدي بخلاف اسم الجزور ولمعنى القربة جعلنا اسم البدنة متناولا للبقرة والجزور جميعا ; لأن كل واحد منهما يجزي في الهدايا والضحايا عن سبعة فعرفنا أن معنى التقرب بإراقة الدم معتبر في لفظة البدنة كما هو معتبر في لفظة الهدي فكان مختصا بالحرم


