الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( كمطلق الجوار )

                                                                                                                            ش : قال في التنبيهات : الجوار بضم الجيم وكسرها من المجاورة مثل الاعتكاف ، انتهى . قال سند : من قال : لله علي أن أجاور المسجد ليلا أو نهارا عدة أيام فهذا نذر اعتكاف بلفظ الجوار فلا فرق في المعنى بين قوله أعتكف عشرة أيام أو أجاور عشرة أيام فيلزم في ذلك ما يلزم في الاعتكاف ويمنع فيه ما يمتنع من الاعتكاف واللفظ لا يراد لعينه وإنما يراد لمعناه ولو لم يسم اعتكافا ولا جوارا إلا أنه نوى ملازمة المسجد للعبارة أياما متوالية وشرع في ذلك فإنه يلزمه سنة الاعتكاف

                                                                                                                            ص ( لا النهار فقط فباللفظ )

                                                                                                                            ش : قال سند : أما الجوار الذي يفعله أهل مكة فإنما هو لزوم المسجد بالنهار دون الليل وذلك خارج عن سنة الاعتكاف ولا يمتنع فيه شيء مما يمتنع في الاعتكاف قال مالك في المجموعة : له أن يفطر ويجامع أهله قال الباجي ويخرج في حوائجه ولعيادة المريض وشهود الجنائز ويطأ زوجته وأمته متى شاء وذلك أن الشرع لما وضع الاعتكاف على وجه يعسر إقامته على جل الناس شرع في بابه ما ييسر إقامته على جل الناس فشرع الجوار فالمجاور يحضر المسجد ويكثر جمعه ولا يلتزم المسكن ، والتلازم كما يلزمه المعتكف ولا خلاف بين الأئمة أن ملازمة المسجد من نوافل الخير ووجوه القرب ثم قال : ولا تحرم فيه المباشرة ولا يشترط فيه الصوم ولا يحرم الوطء على المجاور وإن كان ممنوعا منه في المسجد لحرمة المسجد حتى لو جامع خارج المسجد لم يأثم ، انتهى .

                                                                                                                            مختصرا وقال أبو الحسن : الجوار مندوب إليه من نوافل الخير ، انتهى . وقوله فباللفظ يعني أن الجوار يلزم إذا نذره بلفظه ولا إشكال في ذلك قال في التوضيح : وأما عقده بالقلب فذلك جار على الخلاف في انعقاد اليمين بالقلب وأما إن لم يكن إلا مجرد النية فإن نوى يوما أو أياما لم يلزمه ما بعد الأول وهل يلزمه اليوم المنفرد أو اليوم الأول فيما إذا نوى أياما بالدخول فيها ابن يونس حمل المدونة على اللزوم قال : وكذلك إن دخل في اليوم الثاني لزمه وقال أبو عمران : لا يلزمه هذا الجوار وإن دخل فيه إذ لا صوم فيه ; لأنه إنما نوى أن يذكر الله والذكر يتبعض ، انتهى . وإلى هذا أشار بقوله

                                                                                                                            ص ( وفي يوم دخوله له تأويلان )

                                                                                                                            ش : أي وفي لزوم اليوم الذي دخل فيه [ ص: 460 ] وعدم لزومه تأويلان وسواء كان اليوم الذي دخل فيه أولا أو ثانيا أو ثالثا أو غيره فإن المعنى أن الجوار لا يلزمه بالنية وحدها وإذا انضم إليها فعل وهو الدخول فما بعد اليوم الذي دخل فيه لا يلزمه بذلك الدخول واختلف في اليوم الذي دخل فيه هل يلزمه جميعه أو لا يلزمه تأويلان تأويل ابن يونس المدونة على اللزوم وكذلك عبد الحق قال في النكت : إذا نوى عكوف أيام أو شهر أو شهور لزمه بالدخول في يوم من أيامها ; لأن ذلك لاتصاله كيوم واحد بخلاف من نوى صوما هذا وإن نواه متتابعا لا يلزمه إلا اليوم الذي دخل فيه خاصة ; لأنه ليس عمل الصوم متصلا ; لأن الليل فاصل عن الصوم والعكوف عمله متصل بالليل والنهار فهو كاليوم الواحد في الصوم .

                                                                                                                            والجوار إذا كان ينقلب فيه بالليل إلى منزله مثل الصوم لا يلزمه بالنية والدخول إلى أول يوم منه إنما يترتب بدخوله فيه وأما ما لا ينقلب فيه فهو كالعكوف وبالدخول في يوم منه يلزمه جميعه ، انتهى . وتأول أبو عمران المدونة على عدم اللزوم وفرق بينه وبين الصوم بأن الصوم لا يتبعض والجوار يصح في بعض اليوم وكل جزء من أجزاء الليل يحصل للمجاور أجره ، انتهى . ونحوه في الطراز قال : فرع : فإن نوى جوار يوم ثم بدا له كان له ذلك قبل أن يدخل فيه وبعد دخوله ; لأنه لما لم يجب فيه صوم فيقدر بزمانه بقاء مطلقا في جميع ساعات النهار فلا يتعلق بعضها ببعض ولا يختلف فيه أرباب المذاهب ، انتهى . وقال في المقدمات : الاعتكاف يجب بأحد وجهين إما بالنذر وإما بالنية مع الدخول فيه وكذلك الجوار إذا جعل على نفسه فيه الصيام وإن لم يجعل على نفسه فيه الصيام وإنما أراد أن يجاور كجوار مكة بغير صيام فلا يلزمه بالنية مع الدخول فيه ما نوى من الأيام واختلف هل يلزمه مجاورة اليوم الذي دخل فيه أم لا على قولين ، أحدهما : أنه يلزمه ، والثاني : أنه لا يلزمه وله أن يخرج متى شاء من يومه ذلك وهو الأظهر . إذ لم يتشبث بعمل يبطل عليه بقطعه ، انتهى . وهذا هو الظاهر بل ظاهر كلام سند أنه متفق عليه كما تقدم ( فرع ) فلو نوى جوار المسجد ما دام فيه أو وقتا معينا لم يلزم ببقية ذلك اليوم على ما قاله سند وابن رشد وأبو عمران وكذا على قول ابن يونس وعبد الحق فيما يظهر وقد صرح بذلك في المدخل في أوله في نية الخروج إلى المسجد فقال : وينوي الاعتكاف فيه على مذهب من يرى ذلك أو الجوار فيه على مذهب مالك وغيره ممن يشترط في الاعتكاف أياما معلومة ، انتهى . وقال أبو الحسن في قوله في المدونة : والجوار كالاعتكاف معناه أنه يلزمه الصوم فيه إن نواه أو لم تكن له نية وأما إن كانت له نية الفطر فله ذلك ، انتهى . فقول المصنف ( ولا يلزم فيه حينئذ صوم ) ش أي إذا نوى مجاورة النهار فقط فإنه يلزمه باللفظ فإذا نذره بلفظه ولزمه حينئذ صوم قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وفي الحاوي لأبي الفرج : إذا نذر جوارا في أي مسجد كان فهو كالاعتكاف وعليه الصيام إلى أن ينوي الرجوع إلى منزله ليلا فلا يكون عليه صيام ، انتهى . وفي اللباب وإذا نذر جوار مكة لا يلزمه فيه صوم وله أن يخرج بالليل إلى منزله ليبيت فيه ولا يلزمه بمجرد النية دون النذر إلا اليوم الأول فيلزمه بالنية لدخوله فيه ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) فهم من كلام أبي الحسن المتقدم أنه إذا نوى مجاورة المسجد ليلا ونهارا أو نوى مع ذلك عدم الصيام أنه يصح ويلزمه باللفظ وهو الظاهر ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية