ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن إبراهيم المصعبي
. إسحاق بن إبراهيم المصعبي
كان يتولى الشرطة من أيام المأمون إلى أيام المتوكل ، فتوفي في هذه السنة ، وسنه ثمان وخمسون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما .
وبلغنا أنه دخل يوما على المتوكل وعنده الفتح بن خاقان ، وهما ينظران في أخلاط الكيمياء ويتراجعان القول فيه ، فلم يخض معهما في ذلك ، فقال له المتوكل : يا أبا إسحاق ما لك لا تتكلم معنا في هذا الباب ؟ فقال : يا أمير المؤمنين الكيمياء شيء لم يتعرض إليه الملوك قبلك ، ولا نظر فيه آباؤك ، ولكن أدلك على كيمياء هو الحق الصحيح ، قال : ما هو ؟ قال : تسلفني خمسين ألف دينار [من بيت المال ] أنفقها على مصالح السواد ، ثم تنظر ما يرتفع لك من الزيادة في العمارة ، قال : فأمر أن يحمل له من بيت المال [خمسون ألف دينار ] ، فحملت ، فانصرف إسحاق إلى مدينة السلام ، وكتب في إشخاص وجوه أهل السواد . فحضروا ، فقلدهم النفقة على كري الأنهار وحلف إن ضاع من المال درهم قبض الذي يجري التضييع في ناحيته ، ثم أحلفهم على استعمال العدل ، وزاد في الحماية وفي المعونة ، وأنفق على المصالح من الجملة تسعة عشر ألف دينار ، فلما كان آخر السنة عمل الحساب ، فحصل من السواد ثلاثمائة ألف كر ، وأربعة آلاف كر ، واثني عشر ألف ألف درهم ، فنظروا ، وإذا به قد رد كل دينار اثنين وثلاثين دينارا ، فحمل ذلك ، ورد باقي الخمسين ألفا ، وكتب بذلك إلى المتوكل ، وقال : هذا الكيمياء الذي يجب على الخلفاء النظر فيه .
أبو محمد التميمي
. إسحاق بن إبراهيم بن ميمون ، أبو محمد التميمي المعروف ولده بالموصلي
قيل إنه ولد سنة خمسين ومائة ، وكتب الحديث عن سفيان بن عيينة ، وهشيم ، وأبي معاوية الضرير ، وغيرهم .
وأخذ الأدب عن الأصمعي ، وأبي عبيدة ، وبرع في علم الغناء ، فغلب عليه ، ونسب إليه ، وكان مليح المحاضرة ، حلو النادرة ، جيد الشعر ، مذكورا بالسخاء ، معظما عند الخلفاء .
صنف كتاب "الأغاني" فرواه عنه ابنه حماد ، ورواه عنه الزبير بن بكار ، وأبو العيناء وغيرهم .
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : جئت أبا معاوية الضرير ومعي مائة حديث أريد أن أقرأها عليه ، فوجدت في دهليزه رجلا ضريرا ، فقال لي : إنه قد جعل الإذن [لي ]
عليه اليوم إلي لينفعني ، وأنت رجل جليل ، فقلت له : معي مائة حديث ، وأنا أهب لك عنها مائة درهم . فقال : قد رضيت ، ودخل فاستأذن لي فدخلت ، وقرأت المائة ، فقال لي أبو معاوية : الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس ، وأنت من رؤسائهم ، وهو ضعيف معتل ، وأنا أحب منفعته .
قلت [له ] : قد جعلتها مائة دينار . فقال : أحسن الله جزاءك ، فدفعتها إليه فأغنيته .
توفي إسحاق ببغداد في هذه السنة ، وكان يسأل الله تعالى أن لا يبتليه بالقولنج لما رأى من صعوبته على أبيه ، لأن أباه مات به ، فأري في منامه قد أجيبت دعوتك ، ولست تموت بالقولنج ، بل بضده ، فأخذه ذرب في رمضان هذه السنة فتوفي .
إيتاخ الأمير
إيتاخ الأمير .
وقد سبق ذكر هلاكه .
سليمان بن أيوب صاحب البصري
. سليمان بن أيوب صاحب البصري
حدث عن حماد بن زيد . روى عن البغوي . قال يحيى : صدوق ثقة حافظ .
أبو الحارث المروزي
توفي في هذه السنة .
. سريج بن يونس بن إبراهيم ، أبو الحارث المروزي
حدث عن سفيان [بن عيينة ] ، وهشيم ، وابن علية وغيرهم .
روى عنه : مسلم بن الحجاج ، والبغوي ، وأبو زرعة وغيرهم . وكان ثقة صالحا له كرامات ، وكان قد جعل على نفسه أن لا يشبع ، ولا يغضب ، ولا يسأل أحدا حاجة .
وقال هارون بن رضا : سمعت أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد يقول : حدثني بقال سريج بن يونس ، قال :
جاءني سريج ليلا وقد ولد له ولد ، فأعطاني ثلاثة دراهم ، فقال : أعطني بدرهم عسلا ، وبدرهم سمنا ، وبدرهم سويقا ، ولم يكن عندي وكنت قد عزلت الظروف لأبكر فأشتري ، فقال لي : انظر قليلا إيش ما كان أمسح البراني ، فوجدت البراني والجرار ملأى ، فأعطيته شيئا كثيرا . فقال لي : ما هذا ؟ أليس قلت ما عندي شيء ؟
فقلت : خذ واسكت . فقال : ما آخذ أو تصدقني ، فخبرته بالقصة ، فقال : لا تحدث به أحدا ما دمت حيا .
وقال إسحاق بن إبراهيم الختلي : سمعت سريج بن يونس يقول : رأيت فيما يرى النائم أن الناس وقوف بين يدي الله تعالى ، وأنا في أول صف ، ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى ، فقال : أي شيء تريدون أن أصنع بكم ؟ فسكت الناس ، فقلت أنا في نفسي : ويحهم قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت . فقنعت رأسي بملحفتي ، وأبرزت عينا وجعلت أمشي ، وجزت الصف الأول [بخطى ] ، فقال لي : أي شيء تريد ؟ .
فقلت : رحمة سر بسر ، إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا ؟ قال : قد خلقتكم ولا أعذبكم أبدا ، ثم غاب في السماء .
وروى محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي قال : سمعت سريج بن يونس يقول :
مكثت أياما لم آكل أنا ولا صبياني شيئا ، وكنت يوما قاعدا في الدهليز فخرج الصبيان يشكون إلي ، فمر جار لي ، فسمع كلامهم فرمي إلي كيس . فقلت : يا فلان ، متى [جرت ] عادتك بذا ، خذ كيسك عافاك الله ! ! فقال الصبيان : هو ذا ، كبة غزل فبعها حتى تأكل بها خبزا . فخرجت فبعتها واشتريت لهم خبزا ، وعلمت أنه لا يكفيهم ، فلم آكل معهم ، ثم وضعت رأسي فنمت ، فجاء ملك فقال لي : قم فكأني قد جاءني بصحفة من ذهب فيها خبز لم أر مثله في الدنيا وشهد وزبد ، فقال لي : كل ، فأكلت ومكثت أياما لا أشتهي الطعام .
توفي سريج في ربيع الأول من هذه السنة .
أبو الفضل البغوي
. شجاع بن مخلد ، أبو الفضل البغوي
ولد سنة خمسين ومائة ، وحدث عن هشيم ، وابن علية ، وابن عيينة .
وروى عنه أبو القاسم البغوي وغيره ، وكان صدوقا . توفي في هذه السنة ، ودفن في مقابر باب التين .
أبو بكر العبسي المعروف بابن أبي شيبة
. عبد الله محمد بن إبراهيم ، أبو بكر العبسي ، المعروف بابن أبي شيبة
ولد سنة تسع وخمسين ومائة ، وسمع شريك بن عبد الله ، وسفيان بن عيينة ، وهشيما ، وعبد الله بن المبارك وغيرهم .
روى عنه : أحمد بن حنبل ، وابنه عبد الله ، وعباس الدوري ، والبغوي وغيرهم .
وكان حافظا متقنا صدوقا مكثرا ، صنف "المسند" و "التفسير" وغير ذلك .
وقال : محمد بن إبراهيم مربع : قدم علينا أبو بكر بن أبي شيبة فانقلبت به بغداد ، ونصب له المنبر في مسجد الرصافة ، فجلس عليه فقال من حفظه : حدثنا شريك ثم قال : هي بغداد ، وأخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها ، يا أبا شيبة هات الكتاب .
قال أحمد : أبو شيبة ابنه واسمه إبراهيم .
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام قال : انتهى الحديث إلى أربعة : أبي بكر بن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، [وعلي بن المديني ] ، فأبو بكر أسردهم للحديث ، وأحمد أفقههم فيه ، ويحيى أجمعهم له ، وعلي بن المديني أعلمهم به .
قال علي بن المديني : قدم علينا أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى وعبد الرحمن باقيين ، فأراد الخائب - يعني سليمان الشاذكوني - أن يذاكره ، فاجتمع الناس في المسجد الجامع عند الأسطوانة وأبو بكر وأخوه ، ومشكدانة ، وعبد الله بن البراء وغيرهم وكلهم سكوت إلا أبا بكر فإنه يهدر .
قال ابن عدي : والأسطوانة هي التي يجلس إليها ابن سعيد .
[قال ابن سعيد : هي أسطوانة [عبد الله ] بن مسعود ، وجلس إليها بعده علقمة ، وبعده إبراهيم ، [وبعده منصور ] ، وبعده الثوري ، وبعده وكيع ، وبعده [أبو بكر ] بن أبي شيبة ، وبعده مطين ، وبعده ابن سعيد ] .
توفي أبو بكر في محرم هذه السنة .
عبيد الله بن عمر بن ميسرة
. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ، أبو سعيد الجشمي مولاهم ، المعروف بالقواريري
بصري سكن بغداد ، وحدث بها عن حماد بن زيد ، وأبي عوانة ، وسفيان ، وهشيم ، وغيرهم . روى عنه : أحمد ، ويحيى ، وأبو داود السجستاني ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وإبراهيم الحربي ، والبغوي ، وكان ثقة .
وقال عبيد الله بن عمر القواريري : لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة فنزل بي ضيف فشغلت به ، فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة ، فإذا الناس قد صلوا .
فقلت في نفسي : قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : وروي خمسا وعشرين ، وروي سبعا وعشرين . "صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة"
فانصرفت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة ثم رقدت ، فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب فرسا كأفراسهم ، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي ، فجعلت أضربه لألحقهم ، فالتفت إلي أحدهم فقال : لا تجهد نفسك ، فلست تلاحقنا ، قلت : ولم [ذاك ] ؟ قال : لأنا صلينا العتمة في جماعة .
ويقول حفص بن عمرو الربالي : رأيت عبيد الله بن عمر القواريري في منامي بعد موته ، فقلت : ما صنع الله بك ؟
قال : غفر لي وعاتبني ، وقال : يا عبيد الله ، أخذت من هؤلاء القوم ؟ قلت : يا رب أنت أحوجتني إليهم ، ولو لم تحوجني لم آخذ ، قال : إذا قدموا علينا كافأناهم عنك ، ثم قال لي : أما ترضى أن أكتبك في أم الكتاب سعيدا ! توفي القواريري في ذي الحجة من هذه السنة .
أبو عبد الله الصائغ ويعرف بمردويه
: عبد الصمد بن يزيد ، أبو عبد الله الصائغ ، ويعرف بمردويه
سمع الفضيل بن عياض ، وسفيان بن عيينة ، ووكيعا ، وكان ثقة من أهل السنة والورع ، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة .
محمد بن حاتم بن ميمون
: محمد بن حاتم بن ميمون ، أبو عبد الله ، ويعرف بالسمين
روى عن سفيان بن عيينة ، وابن مهدي ، ووكيع وغيرهم ، واختلفوا في تعديله .
محمد بن الهزيل بن عبد الله بن مكحول
توفي في ذي الحجة من هذه السنة .
. ] محمد بن الهزيل بن عبد الله بن مكحول ، أبو الهذيل العلاف العبدي البصري ، مولى عبد القيس
وكان شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم . ولد سنة خمس وثلاثين ومائة ، وكان يقول : علم الله هو الله ، وقدرة الله هي الله ، ونعيم الجنة يفنى ، وأهل الجنة تنقطع حركاتهم فيها حتى لا ينطقون بكلمة . وكان فاسقا في باب الدين .
وقد روى أحاديث عن سليمان بن قرم ، وغياث بن إبراهيم ، وهما كذابان مثله .
وروى أبو يعقوب الشحام قال : قال لي أبو الهذيل : أول ما تكلمت كان لي أقل من خمس عشرة سنة ، وكنت أختلف إلى عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء ، فبلغني أن رجلا يهوديا قدم البصرة وقد قطع عامة متكلميهم ، فقلت لعمي : يا عم ، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه ، فقال لي : يا بني ، هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة ، أفمن جدك أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه . فقلت : لا بد من أن تمضي بي إليه ، وما عليك مني غلبني أو غلبته ، فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي ، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى ، ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فيقول : نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى إلى أن نتفق على نبوة غيره فنقر به .
قال : فدخلت عليه ، فقلت له : أسألك أو تسألني ؟ فقال لي : يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك ؟ فقلت له : دع عنك هذا واختر ، إما أن تسألني ، أو أسألك . فقال :
بل أسأل .
أخبرني ، أليس موسى نبيا من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته ، وثبت دليله ، تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك ؟
فقلت [له ] : إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين ، أحدهما :
إني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا [محمد صلى الله عليه وآله وسلم ] وأمر باتباعه ، وبشر به وبنبوته ، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته ، وإن كان موسى الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يأمرنا باتباعه ، ولا بشر به ، فلست أعرفه ولا أقر بنبوته ، بل هو عندي شيطان مخزى .
فتحير لما ورد عليه ما قلته له وقال لي : فما تقول في التوراة ؟ قلت : أمر التوراة عندي أيضا على وجهين ، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى النبي الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي التوراة الحق ، وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق ، وأنا غير مصدق بها .
فقال لي : أحتاج أن أقول لك شيئا بيني وبينك ، فظننت أنه يقول شيئا من الخير ، فتقدمت إليه ، فسارني وقال : أمك كذا وكذا ، وأم من علمك ، لا يكنى . وقدر أني أثب به فيقول : قد وثبوا بي وشغبوا علي ، فأقبلت على من كان في المجلس فقلت : أليس قد عرفتم مسألته إياي ، وجوابي له ؟ فقالوا : نعم . فقلت : أليس عليه أن يرد جوابي ؟
قالوا : نعم . قلت : إنه لما سارني شتمني الشتم الذي يوجب الحد ، وشتم من علمني ، وإنما قدر أني أقوم أثب به ، فيدعي أنا واثبناه وشغبنا عليه ، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه . فأخذته الأيدي والأكف بالنعال ، فخرج هاربا من البصرة وقد كان له بهادين كثير ، فتركه وخرج لما لحقه من الانقطاع .
وعن الجاحظ ، قال : لقي اللصوص قوما فيهم أبو الهذيل فصاحوا وقالوا : ذهبت ثيابنا . قال : ولم ؟ كلوا الحجة إلي ، فو الله لا أخذوها أبدا ، وظنوا أنهم خوارج يأخذون بمناظرة ، فقالوا : إنهم لصوص يأخذون الثياب بلا حجة ، فقال : ذهبت الثياب والله .
وقال أحمد بن يحيى المنجم : أخبرني أبي قال : لقي أبا الهذيل مسقف ، فقال له : انزع ثيابك وأخذ بمجامع جيبه فقال أبو الهذيل :
استحالت المسألة . قال : ولم ؟ قال : تمسك موضع النزع وتقول : انزع ، أبن لي ، أنزع القميص من ذيله أو من جيبه ؟ فقال له : أنت أبو الهذيل ؟ قال : نعم ! قال : فانصرف راشدا .
توفي أبو الهذيل في سنة خمس وثلاثين ومائتين وقد تم له مائة سنة . وفيها مات إسماعيل بن علية ، ومنصور بن أبي مزاحم .