الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قصة نوح عليه السلام

            هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ ، وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام.

            كان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، وقد اختلف العلماء كم كان بين آدم ونوح بناء على تفسير القرن هل هو مائة سنة أم الجيل من الناس.

            وقد أكرمه الله تعالى بالنبوة وأرسله إلى قومه لما عبدوا الأصنام والطواغيت، وكانوا قد دانوا بدين الصابئة أيضا، واختلف أهل العلم في سن نوح عليه السلام حين أرسله الله تعالى إلى قومه فقيل : كان ابن خمسين سنة. وقيل: ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل غير ذلك.

            فدعا نوح قومه إلى عبادة الله وحده ونبذ ما هم عليه من الإشراك بالله تعالى وقد دعاهم بكل السبل والطرق والأوقات فما زادهم إلا نفورا، قال الله تعالى مخبرا عما قال نوح لقومه: يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا [ نوح : 2 - 14 ].

            وقد ظل يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما آمن معه إلا قليل فلما يئس منهم قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ نوح : 26 - 27 ]، وطلب الفتح من الله تعالى فقال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين [ الشعراء : 117 - 118 ]. ودعا ربه أيضا أني مغلوب فانتصر [ القمر : 10 ] . وقال رب انصرني بما كذبون [ المؤمنون : 26 ].

            فجاء الفتح من السماء فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم [ الأنبياء : 76 ]

            وأوحى الله سبحانه إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون [ هود : 36 ].

            وحينئذ أمر الله تعالى نبيه عليه السلام ببناء السفينة وأعلمه بما سيحل بقومه من العذاب والإغراق ونهاه أن تأخذه بهم رأفة إذا ما نزل بهم العذاب.

            وكان قومه كلما مروا به سخروا منه ومما يصنع من بناء السفينة في الصحراء، وقد ذكر بعض المؤرخين أوصافا للسفينة عن طولها وعرضها وارتفاعها وهيئتها، فلما اكتمل بناؤها أمره الله سبحانه أن يحمل فيها المؤمنين ومن كل زوجين اثنين من الكائنات، فلما اطمأن نوح ومن معه في السفينة أمر الله السماء بنزول الماء المنهمر وفجرت الأرض عيونا فعم الأرض الماء حتى علا جبالها فهلك من كان خارج السفينة من البشر والكائنات، وهلك فيمن هلك ابن نوح عليه السلام.

            فلما لم يبق على الأرض من الكافرين ديارا قيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت السفينة على الجودي، وأمر الله سبحانه نوحا أن يهبط بسلام منه وبركات هو ومن معه.

            هذا وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند ، وقوع الطوفان ، واعترف به آخرون منهم.

            فلما نزل نوح إلى الأرض انتشرت ذريته فيها كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين قال وهب بن منبه : إن سام بن نوح أبو العرب ، وفارس ، والروم ، وإن حاما أبو السودان ، وإن يافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج.

            وقد وقعت العديد من الأحداث ما بين نوح عليه السلام وإبراهيم عليه السلام تتعلق باقتسام الأرض وسكناها بين ذرية نوح عليه السلام، وعبادة الأصنام مرة أخرى بعد هلاك الصالحين من ذريته، وكان ممن بعث بين نوح وإبراهيم عليهما السلام دانيال الأكبر عليه السلام.

            وقد أثنى الله تعالى على نوح عليه السلام فقال سبحانه: إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ]، وكان عليه السلام يصوم الدهر إلا العيدين.

            ولما حضرت نوحا الوفاة قيل له : كيف رأيت الدنيا ؟ قال : كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية