الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            نوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت ، وشرع الناس في الضلالة ، والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض ، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة ، وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جرير وغيره .

            مقدار سن نوح يوم بعث واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث . فقيل : كان ابن خمسين سنة . وقيل : ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقيل : ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير ، وعزا الثالث منها إلى ابن عباس .

            وروي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملة الحق ، وأن الكفر بالله حدث في القرن الذي بعث فيه إليهم نوح ، فأرسله الله ، وهو أول نبي بعث بالإنذار ، والدعاء إلى التوحيد ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة . خبر الملك المسمى بالضحاك خبر الملك المسمى بالضحاك

            وهو بيوراسب . وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك

            وأهل اليمن يدعون أن الضحاك منهم ، وأنه أول الفراعنة ، وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل .

            والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم ، وأنه بيوراسب بن أرونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن فروال بن سيامك بن ميشى بن جيومرث ، ومنهم من ينسبه غير هذه النسبة وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ههنا لأن بعضهم يزعم أن نوحا كان في زمانه ، وإنما أرسل إليه وإلى أهل مملكته . وكانوا قومه فدعاهم إلى الله تسعمائة وستة وخمسين سنة كلما مضى قرن اتبعهم قرن على ملة واحدة من الكفر حتى أنزل الله عليهم العذاب .

            وكان الضحاك عظيم المملكة . ويقال: أن جما الملك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته ، وملكه على اليمن ، فولدت له الضحاك .

            واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها ، وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج ، وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان ، ، وأنه ملك مصر [حين] قدمها الخليل .

            والفرس تنسب الضحاك غير هذا النسب ، فترفع نسبه إلى جيومرث ، وقيل: كان كثير الإقامة ببابل .

            وعامة المؤرخين ذكروا أنه ملك الأقاليم السبعة كلها ، وأنه كان ساحرا فاجرا .

            قال هشام بن محمد : ملك الضحاك بعد جم - فيما يزعمون - ألف سنة ، وسار بالجور والقتل ، وكان أول من سن الصلب والقطع ، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم ، وأول من تغنى وغني له .

            ويقال أنه خرج في منكبه سلعتان كانتا تضربان عليه حتى يطليهما بدماغ إنسان ، وكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ، ويطلي سلعتيه بدماغيهما ، فإذا فعل ذلك سكن ما يجد .

            قال الشيخ الإمام أبو الفرج : وهذا الضحاك هو الذي غناه حبيب بن أوس بقوله:


            بل كان كالضحاك في سطواته بالعالمين وأنت أفريدون

            وأفريدون من نسل جم الملك الذي كان [من] قبل الضحاك ، ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضحاك ، وسمي ذلك اليوم مهرجانا ، وعلا أفريدون سرير الملك . وكان عرض صدر الملك أفريدون أربعة أرماح .

            والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطهمورث ، وأن الضحاك كان غاصبا ، غصب أهل الأرض بسحره [وخبثه] . وكان على منكبيه ناتئتان ، كل واحدة كرأس الثعبان ، فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام ، وكانتا تتحركان إذا جاع ، وزعم أنه نبي .

            وقيل: ما زال الناس معه في جهد حتى وثب رجل اسمه كابي من أهل أصبهان كان قد قتل له ابنين ، فجمع الناس لقتاله ، فهرب الضحاك وولي مكانه أفريدون فاحتوى على ملك الضحاك .

            وملك أفريدون خمسمائة سنة ، وكان عمر الضحاك ألف سنة ، وملكه ستمائة سنة ، وقد زعم بعض نسابي الفرس أن أفريدون هو نوح الذي قهر الضحاك وغلبه وسلبه ملكه .

            وقال قوم: أفريدون هو ذو القرنين . وقال بعضهم: هو سليمان بن داود ، وقال الفرس : أفريدون من ولد جم الملك ، وهو التاسع من ولده .

            وكان أفريدون قد أمر بالعدل ورد المظالم ، وهو أول من نظر في النجوم والطب ، وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء ، واتخذ الأوز والحمام .

            وكان شديد القوة حسن الصورة ، وعالج الدرياق ، وهو أول من سمي بكي ، وكان يقال له "كي أفريدون" وهي كلمة معناها التنزيه ، أي: هو منزه متصل بالروحانية .

            وأنه ملك الأرض فقسمها بين أولاد له ثلاثة ، فوثب اثنان منهم على الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سنة . ثم بغى منهم طوج بن أفريدون ، ثم نشأ له أفراسياب بن ترك الذي تنسب إليه الترك من ولد طوج .

            ويقال: الضحاك هو نمرود الخليل وأن الخليل ولد في زمانه ، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه . والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية