الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر ، فلما بلغوا خرج يوسف يتلقاه في ألوف كثيرة ، فنظر يعقوب إلى الخيل ، فقال لابنه يهوذا وهو يتوكأ عليه: هذا فرعون [مصر]؟ فقال: لا ، هذا ابنك يوسف . فلما التقيا قال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان لأنه لم يفارقه الحزن والبكاء مدة غيبة يوسف عنه .

            قال : فلما دخلوا مصر رفع أبويه ، يعني أمه وأباه ، وقيل : كانت خالته . وكانت أمه قد ماتت ، وخر له يعقوب وأمه وإخوته سجدا ، وكان السجود تحية الناس للملوك ، ولم يرد بالسجود وضع الجبهة على الأرض ، فإن ذلك لا يجوز إلا لله تعالى ، وإنما أراد الخضوع والتواضع والانحناء عند السلام كما يفعل الآن بالملوك . والعرش : السرير . وقال : ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا .

            وكان بين رؤيا يوسف ومجيء يعقوب أربعون سنة ، وقيل : ثمانون سنة ، فإنه ألقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، ولقيه وهو ابن سبع وتسعين وعاش بعد جمع شمله ثلاثا وعشرين سنة ، وتوفي وله مائة وعشرون سنة ، وأوصى إلى أخيه يهودا . وقيل كانت غيبة يوسف عن يعقوب ثماني عشرة سنة . وقيل : إن يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة ، واستوزره فرعون بعد ثلاث عشرة سنة من قدومه إلى مصر ، وكانت مدة غيبته عن يعقوب اثنتين وعشرين سنة ، وكان مقام يعقوب بمصر وأهله معه سبع عشرة سنة ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم .

            وفاة يعقوب عليه السلام ولما مات يعقوب أوصى إلى يوسف أن يدفنه مع أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ، فسار به إلى الشام فدفنه عند أبيه ، ثم عاد إلى مصر وأوصى يوسف أن يحمل من مصر ويدفن عند آبائه ، فحمله موسى لما خرج ببني إسرائيل .

            وولد يوسف إفرائيم ومنشى ، فولد لإفرائيم نون ، ولنون يوشع فتى موسى ، وولد لمنشى موسى ، قبل موسى بن عمران ، وزعم أهل التوراة أنه موسى الخضر ، وولد له رحمة امرأة أيوب في قول . وذكروا أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوما ، وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ، ومكث فيه أربعين يوما ، ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله ، فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها ، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي ، وعملوا له عزاء سبعة أيام . قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم ، وعزى إخوة يوسف ليوسف في أبيهم ، وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم ، فأقاموا ببلاد مصر ، ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه ، فحنطوه ووضعوه في تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه ، كما سيأتي . قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين . هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا . وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة . وقال غيره أوصى إلى أخيه يهوذا . صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء أجمعين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية