ثم دخل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر ، فلما بلغوا خرج يوسف يتلقاه في ألوف كثيرة ، فنظر يعقوب إلى الخيل ، فقال لابنه يهوذا وهو يتوكأ عليه: هذا فرعون [مصر]؟ فقال: لا ، هذا ابنك يوسف . فلما التقيا قال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان لأنه لم يفارقه الحزن والبكاء مدة غيبة يوسف عنه .
قال : فلما دخلوا مصر رفع أبويه ، يعني أمه وأباه ، وقيل : كانت خالته . وكانت أمه قد ماتت ، وخر له يعقوب وأمه وإخوته سجدا ، وكان السجود تحية الناس للملوك ، ولم يرد بالسجود وضع الجبهة على الأرض ، فإن ذلك لا يجوز إلا لله تعالى ، وإنما أراد الخضوع والتواضع والانحناء عند السلام كما يفعل الآن بالملوك . والعرش : السرير . وقال : ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا .
وكان بين رؤيا يوسف ومجيء يعقوب أربعون سنة ، وقيل : ثمانون سنة ، فإنه ألقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، ولقيه وهو ابن سبع وتسعين وعاش بعد جمع شمله ثلاثا وعشرين سنة ، وتوفي وله مائة وعشرون سنة ، وأوصى إلى أخيه يهودا . وقيل كانت غيبة يوسف عن يعقوب ثماني عشرة سنة . وقيل : إن يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة ، واستوزره فرعون بعد ثلاث عشرة سنة من قدومه إلى مصر ، وكانت مدة غيبته عن يعقوب اثنتين وعشرين سنة ، وكان مقام يعقوب بمصر وأهله معه سبع عشرة سنة ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم .
وفاة يعقوب عليه السلام ولما مات يعقوب أوصى إلى يوسف أن يدفنه مع أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ، فسار به إلى الشام فدفنه عند أبيه ، ثم عاد إلى مصر وأوصى يوسف أن يحمل من مصر ويدفن عند آبائه ، فحمله موسى لما خرج ببني إسرائيل .
وولد يوسف إفرائيم ومنشى ، فولد لإفرائيم نون ، ولنون يوشع فتى موسى ، وولد لمنشى موسى ، قبل موسى بن عمران ، وزعم أهل التوراة أنه موسى الخضر ، وولد له رحمة امرأة أيوب في قول . وذكروا أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوما ، وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ، ومكث فيه أربعين يوما ، ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله ، فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها ، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي ، وعملوا له عزاء سبعة أيام . قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم ، وعزى إخوة يوسف ليوسف في أبيهم ، وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم ، فأقاموا ببلاد مصر ، ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه ، فحنطوه ووضعوه في تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه ، كما سيأتي . قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين . هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا . وقال مبارك بن فضالة عن الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة . وقال غيره أوصى إلى أخيه يهوذا . صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء أجمعين .