الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معرفة بعض طغاة المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود ، وبعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم

            معنى النفاق . النفاق : اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به ، وهو فعل المنافق الذي يستر كفره ويظهر إيمانه ، كما يتستر الرجل بالنفق الذي هو السرب ، فقيل هو اشتقاقه من هذا . وقيل من قولهم نافق اليربوع إذا دخل في قاصعائه وخرج من نافقائه وبالعكس . وذلك أن اليربوع له جحرة أربعة : النافقاء والقاصعاء والراهطاء والداماء ، فهو يرقق أقصى النافقاء ويكتمها ويظهر غيرها . فإذا قصد من غيرها من الجحر ضرب النافقاء برأسه فانتفق منها أي خرج . وقيل : إنها نافذة بعضها إلى بعض ، فمن أيها قصد خرج من الأخرى . فكذلك المنافق يدخل في الإيمان من جهة ويخرج من جهة أخرى ، فاشتقاقه من فعل اليربوع . وقيل : اشتقاقه من صورة النافقاء لا من فعل اليربوع ، وذلك أن النافقاء ظاهره مدخل وباطنه مخرج ومهرب ، فكذا المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر ، ومحل النفاق القلب .

            ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم بشر كثير ممن أراد الله عز وجل هدايته .

            وانضاف إلى اليهود أناس من الأوس والخزرج ممن كان عسا في الجاهلية ، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث ، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره ، واجتماع قومهم عليه ، فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر ، وكان هواهم مع يهود ، لتكذيبهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام .

            وقد ذكر الله أخبارهم في سورة براءة وغيرها . قال ابن إسحاق : وكان ممن انضاف إلى يهود ، ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج ، والله أعلم . من الأوس ، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ثم من بني لوذان بن عمرو بن عوف ، زوي بن الحارث .

            [ من بني خبيب ]

            ومن بني خبيب بن عمرو بن عوف : جلاس بن سويد بن الصامت ، وأخوه الحارث بن سويد .

            [ شيء عن جلاس ] الجلاس- بجيم مضمومة فلام مخففة فألف فسين مهملة- ابن سويد بن الصامت . قال ابن إسحاق : وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك . وروى ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وعبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عروة قالوا : لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس : "والله لئن كان هذا الرجل صادقا [على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا] لنحن شر من الحمير" . فسمعها عمير بن سعد رضي الله عنه ، وكان في حجر جلاس ، خلف على أمه بعد أبيه . فقال له عمير : "والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنه عندي يدا وأعزه علي أن يصيبه شيء يكرهه ، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك- لأفضحنك ، ولئن صمت ليهلكن ديني ، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى" .

            فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ما قال له جلاس . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "لقد كذب علي عمير ، وما قلت ما قال عمير . فقال عمير : "بل والله قلته ، فتب إلى الله تعالى ، ولولا أن ينزل قرآن فيجعلني معك ما قلته" . فجاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكتوا لا يتحرك أحد . وكذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي ، فرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير [التوبة 74] فقال [جلاس] : "قد قلته ، وقد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب" .
            فقبل ذلك منه ، وكان هم أن يلحق بالمشركين . [وقال ابن سيرين لما نزلت هذه الآية :

            أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير وقال] : "يا غلام ، وفت أذنك وصدقك- ربك" .
            تنبيهات

            الأول : ذكر في سبب نزول هذه الآية شيء آخر : وهو قول عبد الله بن أبي في غزوة المريسيع : "والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك . والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" . فسعى بها زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل خلف ابن أبي فحلف بالله ما قاله ، فأنزل الله تعالى الآية . رواه ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة .

            الثاني : روى محمد بن عمر عن عبد الحميد بن جعفر ، أن الجلاس تاب وحسنت توبته ، ولم ينزع عن خير كان يصنعه إلى عمير ، وكان ذلك مما عرفت به توبته . [ شيء عن الحارث بن سويد ]

            وأخوه الحارث بن سويد ، الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي ، وقيس بن زيد ، أحد بني ضبيعة ، يوم أحد . خرج مع المسلمين ، وكان منافقا ، فلما التقى الناس عدا عليهما ، فقتلهما ثم لحق بقريش .

            قال ابن هشام : وكان المجذر بن ذياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن ذياد ، ليقتله بأبيه ، فقتله وحده ، وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول : والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد ، أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد .

            قال ابن إسحاق ؛ قتل سويد بن صامت معاذ بن عفراء غيلة ، في غير حرب ، رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث .

            قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ، ففاته ، فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ، ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تبارك وتعالى فيه - فيما بلغني عن ابن عباس - : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة .

            ومن المنافقين

            من بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : بجاد بن عثمان بن عامر . ومن المنافقين : نبتل- بنون مفتوحة فموحدة ساكنة ففوقية مفتوحة فلام- ابن الحارث ، وكان رجلا جسيما ، أدلم ، ثائر شعر الرأس أحمر العينين ، أسفع الخدين ، وهو الذي

            قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث" .

            وروى ابن إسحاق عن بعض بني العجلان أنه حدث أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : "إنه يجلس إليك رجل أدلم ، ثائر شعر الرأس ، أسفع الخدين ، أحمر العينين كأنهما قدران من صفر ، كبده أغلظ من كبد الحمار ، ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره" . وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث ، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين . وهو الذي قال لهم : "إنما محمد أذن ، من حدثه بشيء صدقه" . فأنزل الله تعالى :

            ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [التوبة 61] .

            ومنهم : مربع- بميم مكسورة فراء ساكنة فموحدة مفتوحة فعين مهملة- ابن قيظي بقاف فتحتية فظاء معجمة مشالة- وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد : "لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا أن تمر في حائطي" .

            وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال : "والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به" . فابتدره القوم ليقتلوه ،

            فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر" .


            ومنهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وسلول هي أم أبي ، وهو أبي بن مالك العوفي ، أحد بني الحبلى . وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون ، وهو الذي قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل في غزوة بني المصطلق . وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها . وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعبد الله بن أبي سيد أهلها ، لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان ، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره ، حتى جاء الإسلام . وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم ، فجاءهم الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك ، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا . فلما أن رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام ، دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن .

            وروى ابن إسحاق ، والإمام أحمد ، والشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما . قال :

            ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف . قال :

            وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، فمر بعبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم ، وهو في ظل أطم وفي مجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ، في مجلس عبد الله بن رواحة . فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال : لا تغبروا علينا . فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف ، فنزل فدعاهم إلى الله ، فقرأ عليهم القرآن وحذر وبشر وأنذر ، فقال له عبد الله بن أبي : "يا أيها المرء ، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا ، فلا تؤذونا به في مجلسنا ، وارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه" . قال : فقال ابن رواحة : "بلى يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فهو والله مما نحب" . فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون .

            فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل إلى سعد بن عبادة ، فقال له : "أي سعد ، ألم تسمع ما قال أبو حباب" ؟ يريد عبد الله بن أبي . فقال سعد : "يا رسول الله اعف عنه واصفح ، فلقد أعطاك الله ما أعطاك ، ولقد اجتمع أهل البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه ، فلما رد ذلك بالحق الذي أعطاك شرق ، فذلك الذي فعل به ما رأيت"
            .

            وعن أنس رضي الله عنه قال : قلت : يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة . فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إليك عني ، فوالله لقد أذاني نتن حمارك . فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك .

            فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم ضرب بالجريد- وفي لفظ بالحديد- والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزل فيهم : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما
            [الحجرات 9] . رواه الشيخان .

            قال ابن إسحاق : وقال عبد الله بن أبي حين رأى من خلاف قومه ما رأى :


            متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل تذل ويصرعك الذين تصارع     وهل ينهض البازي بغير جناحه
            وإن جذ يوما ريشه فهو واقع

            ومنهم أبو عامر الفاسق ، واسمه : عبد عمرو بن صيفي بن النعمان الأوسي ، أحد بني ضبيعة بن زيد ، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة . وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح ، فكان يقال له الراهب . وكان شريفا مطاعا في قومه ، فشقي بشرفه وضره .

            ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو عامر قبل أن يخرج إلى مكة فقال : يا محمد ، ما هذا الدين الذي جئت به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جئت بالحنيفية دين إبراهيم" . قال : فإني عليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لست عليها [لأنك أدخلت فيها ما ليس منها] . قال : بل أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها . قال : "ما فعلت ، بل جئت بها بيضاء نقية" . فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب [منا] طريدا وحيدا . وإنما قال ذلك يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خرج من مكة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعم ، أمات الله الكاذب منا كذلك" .

            فكان ذلك هو عدو الله فخرج إلى مكة . فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، خرج إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام ، فمات بها طريدا غريبا وحيدا . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني محمد بن أبي أمامة عن بعض آل حنظلة بن أبي عامر - : لا تقولوا : الراهب ، ولكن قولوا : الفاسق [ الاحتكام إلى قيصر في ميراثه ]

            وكان قد خرج معه علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي ، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر ، صاحب الروم . فقال قيصر : يرث أهل المدر أهل المدر ، ويرث أهل الوبر أهل الوبر ، فورثه كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة . [ هجاء كعب لابن صيفي ]

            فقال كعب بن مالك لأبي عامر فيما صنع :

            :


            معاذ الله من عمل خبيث     كسعيك في العشيرة عبد عمرو
            فإما قلت لي شرف ونخل     فقدما بعت إيمانا بكفر

            قال ابن هشام : ويروى :


            فإما قلت لي شرف ومال

            [ من بني ضبيعة ]

            ومن بني ضبيعة : أبو حبيبة بن الأزعر ، وكان ممن بنى مسجد الضرار وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، إلخ القصة . ومعتب الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا إلى آخر القصة . وهو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط . فأنزل الله عز وجل فيه : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والحارث بن حاطب .

            [ معتب وابنا حاطب بدريون وليسوا منافقين ]

            قال ابن هشام : معتب بن قشير ، وثعلبة والحارث ابنا حاطب ، وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم ، وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر .

            قال ابن إسحاق : وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ؛ وبحزج ، وهم ممن كان بنى مسجد الضرار ، وعمرو بن خذام ، وعبد الله بن نبتل .

            [ من بني ثعلبة ]

            ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : جارية بن عامر بن العطاف ، وابناه : زيد ومجمع ، ابنا جارية ، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار . وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره ، وكان يصلي بهم فيه ، ثم إنه لما أخرب المسجد ، وذهب رجال من بني عمرو بن عوف ، كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم ، وكان زمان عمر بن الخطاب ، كلم في مجمع ليصلي بهم ، فقال : لا ، أوليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ فقال لعمر : يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما علمت بشيء من أمرهم ، ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن ، وكانوا لا قرآن معهم ، فقدموني أصلي بهم ، وما أرى أمرهم ، إلا على أحسن ما ذكروا فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه . [ من بني أمية ]

            ومن بني أمية بن زيد بن مالك : وديعة بن ثابت ، وهو ممن بنى مسجد الضرار ، وهو الذي قال : إنما كنا نخوض ونلعب . فأنزل الله تبارك وتعالى : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون إلى آخر القصة .

            [ من بني عبيد ]

            ومن بني عبيد بن زيد بن مالك : خذام بن خالد ، وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ، وبشر ورافع ، ابنا زيد .

            [ من بني النبيت ]

            ومن بني النبيت - قال ابن هشام : النبيت : عمرو بن مالك بن الأوس -

            قال ابن إسحاق : ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أوس بن قيظي ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق : يا رسول الله ، إن بيوتنا عورة ، فأذن لنا فلنرجع إليها

            فأنزل الله تعالى فيه يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا

            [ من بني ظفر ]

            قال ابن إسحاق : ومن بني ظفر ، واسم ظفر : كعب بن الحارث بن الخزرج حاطب بن أمية بن رافع ، وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين . يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات ، فحمل إلى دار بني ظفر .

            قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يا ابن حاطب بالجنة . قال فنجم نفاقه حينئذ ، فجعل يقول أبوه أجل جنة والله من حرمل ، غررتم والله هذا المسكين من نفسه .

            قال ابن إسحاق : وبشير بن أبيرق ، وهو أبو طعمة ، سارق الدرعين ، الذي أنزل الله تعالى فيه : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما وقزمان : حليف لهم .

            قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : إنه لمن أهل النار

            فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل بضعة نفر من المشركين ، فأثبتته الجراحات ، فحمل إلى دار بني ظفر ، فقال له رجال من المسلمين : أبشر يا قزمان ، فقد أبليت اليوم ، وقد أصابك ما ترى في الله . قال : بماذا أبشر ، فوالله ما قاتلت إلا حمية عن قومي ، فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهما من كنانته ، فقطع به رواهش يده ، فقتل نفسه . [ من بني عبد الأشهل ]

            قال ابن إسحاق : ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة يعلم ، إلا أن الضحاك بن ثابت ، أحد بني كعب ، رهط سعد بن زيد ، قد كان يتهم بالنفاق وحب يهود . قال حسان بن ثابت :

            :


            من مبلغ الضحاك أن عروقه     أعيت على الإسلام أن تتمجدا
            أتحب يهدان الحجاز ودينهم     كبد الحمار ، ولا تحب محمدا
            دينا لعمري لا يوافق ديننا     ما استن آل في الفضاء وخودا

            وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته - فيما بلغني - ومعتب بن قشير ، ورافع بن زيد ، وبشر ، وكانوا يدعون بالإسلام ، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعوهم إلى الكهان ، حكام أهل الجاهلية ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا إلى آخر القصة .

            [ من الخزرج ]

            ومن الخزرج ، ثم من بني النجار : رافع بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، وقيس بن عمرو بن سهل .

            [ من بني جشم ]

            ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة : الجد بن قيس ، وهو الذي يقول : يا محمد ، ائذن لي ، ولا تفتني . فأنزل الله تعالى فيه : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين إلى آخر القصة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية