الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ ما نزل في منافقي الأوس والخزرج ]

            ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم . يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض أي شك فزادهم الله مرضا أي شكا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب . يقول الله تعالى ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم من يهود ، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق ، وخلاف ما جاء به الرسول قالوا إنا معكم أي إنا على مثل ما أنتم عليه . إنما نحن مستهزئون أي إنما نستهزئ بالقوم ، ونلعب بهم . يقول الله عز وجل : الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى أي الكفر بالإيمان فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين

            قال ابن إسحاق : ثم ضرب لهم مثلا ، فقال تعالى كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون أي لا يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم به ونفاقهم فيه ، فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ، ولا يستقيمون على حق . صم بكم عمي فهم لا يرجعون أي لا يرجعون إلى الهدى ، صم بكم عمي عن الخير ، لا يرجعون إلى خير ولا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليهأو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين

            قال ابن إسحاق : أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل ، من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم ، على مثل ما وصف ، من الذي هو ( في ) ظلمة الصيب ، يجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت . يقول : والله منزل ذلك بهم من النقمة ، أي هو محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين . ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أي لما تركوا من الحق بعد معرفته إن الله على كل شيء قدير

            ثم قال : ياأيها الناس اعبدوا ربكم للفريقين جميعا ، من الكفار والمنافقين ، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون قال ابن إسحاق : أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره ، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه . وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا أي في شك مما جاءكم به ، فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فقد تبين لكم الحق فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر .

            ثم رغبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم ، وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم ، وشأن أبيهم آدم عليه السلام وأمره ، وكيف صنع به حين خالف عن طاعته.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية