الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غزوة بني المصطلق (المريسيع)

            غزوة بني المصطلق أو المريسيع وقعت في سنة ست أو خمس أو أربع على خلاف، وذلك عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار أبا جويرة بنت الحارث مع بني المصطلق يجمعون له، فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع فهزمهم الله وقتل عدد منهم، ونفل الله رسوله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم.

            وبينما الناس على الماء إذ ورد بعضهم على بعض فتشاجر رجلان من المسلمين هما جهجاه بن مسعود من بني غفار وسنان بن وبر الجهني فصرخ كل منهما على قومه، فعلم عبد الله بن أبي المنافق الخبر وكان عنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث، فقال ابن أبي: "أوقد فعلوها؟ قد نافرونا، وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه، إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك. أما والله، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

            فذكر زيد بن أرقم مقالة ابن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر رضي الله عنه، فأشار بقتل ابن أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: "فكيف يا عمر، إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لا، ولكن أذن بالرحيل"

            فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في ساعة لم يكن يرتحل فيها، حتى لا يتحدث الناس بما حصل فيحصل الشر، وجاء ابن أبي حالفا أنه ما قال، وقد اعتذر البعض عنه بأن الغلام ربما وهم في حديثه، حتى أنزل الله سبحانه تصديق زيد بن أرقم في سورة المنافقون.

            وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه إن كان آمرا أحدا أن يقتل أباه أن يأمره هو فيقتل أباه بنفسه، ولكن لا يأمر أحدا من المسلمين خشية على نفسه من الفتنة من أن لا يطيق أن يرى قاتل والده، فيقتل مسلما بكافر فيهلك، فطيب النبي صلى الله عليه وسلم خاطره بأنه سيترفق بأبيه ويحسن إليه ما بقي مع المسلمين، فجعل من بعد عفو الرسول وصفحه صلى الله عليه وسلم عنه كلما أحدث ابن أبي حدثا عاتبه قومه وعنفوه.

            وفي أثناء المعركة قتل هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار خطأ فجاء أخوه مقيس بن صبابة مظهرا الإسلام وطلب بدية أخيه فأعطي ديته ثم مكث قليلا فعدا على قاتل أخيه فقتله وفر مرتدا إلى مكة.

            تقسيم السبايا وزواجه صلى الله عليه وسلم من جويرية بنت الحارث

            عن عائشة قالت: "لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابتها. فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي. قال: " فهل لك في خير من ذلك؟ ". قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: " أقضي عنك كتابك، وأتزوجك ". قالت: نعم، يا رسول الله. قال: " قد فعلت ". قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها"

            وقد وقعت في هذه الغزوة حادثة الإفك المشهورة والتي ولغ فيها المنافقون وتابعهم جماعة من أهل الإسلام وعصم الله عز وجل أكثر المؤمنين فقالوا لما سمعوا الإفك قالوا: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.

            وذلك أن الحصان الرزان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت قد فقدت عقدا لها فمكثت تلتمسه وتبحث عنه وبينما هي كذلك إذ نفر القوم ورحلوا ولم يشعروا أنها ليست في هودجها، فلما وجدت العقد ورجعت لم تجد القوم، فبقيت مكانها عسى أن يفتقدوها فيعودوا إليها، وقد تلففت بثيابها فبينما هي كذلك إذ مر بها صفوان بن المعطل وكان قد تأخر لبعض حاجته فلما رآها استرجع وأناخ الناقة فركبت حتى لحقوا بالجيش، فولغ أصحاب الإفك ورموها بالبهتان، وعصم الله أهل الإيمان، وتأخر الوحي اختبارا حتى أنزل الله براءتها في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فقال سبحانه: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم إلى آخر الآيات، وحد في ذلك من وقع في هذا الأمر من المسلمين، وفرج الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية