. قالت : وقلت : لأمي : يغفر الله لك ، تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا ؟! قالت : أي بنية ، خفضي عليك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ، لها ضرائر ، إلا كثرن ، وكثر الناس عليها . قالت : وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم ، ولا أعلم بذلك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت عليهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل ؛ والله ما علمت منه إلا خيرا ، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي " . قالت : وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول ، في رجال من الخزرج ، مع الذي قال مسطح ، وحمنة بنت جحش ؛ وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها ، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا ، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت ، تضادني لأختها ، فشقيت بذلك ، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير : يا رسول الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج ، فمرنا أمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم . قالت : فقام سعد بن عبادة ، وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا ، فقال : كذبت ، لعمر الله ، لا تضرب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا . فقال أسيد بن حضير : كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : وتساور الناس ، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي . قالت : فدعا فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ، ورجعت ، فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي فاستشارهما ، فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله ، ثم قال : يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيرا ، وهذا الكذب والباطل . وأما علي فإنه قال : يا رسول الله ، إن النساء لكثير ، وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسل الجارية فإنها ستصدقك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ليسألها . قالت : فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا ، ويقول : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فتقول : والله ما أعلم إلا خيرا ، وما كنت أعيب على عائشة شيئا ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه ، فتنام عنه ، فتأتي الشاة فتأكله . قالت : ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي وهي تبكي ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا عائشة ، إنه قد كان ما بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس ، فتوبي إلى الله ؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده . قالت : فوالله إن هو إلا أن قال لي ذلك ، فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئا ، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يتكلما . قالت : وايم الله لأنا كنت أحقر في نفسي ، وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به ويصلى به ، ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني ؛ لما يعلم من براءتي ، أو يخبر خبرا ، وأما قرآنا ينزل في ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك . قالت : فلما لم أر أبوي يتكلمان ، قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : والله ما ندري بماذا نجيبه . قالت : ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام . قالت : فلما استعجما علي ، استعبرت فبكيت ، ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا ، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أني منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ، ولئن أنا أنكرت ما يقولون ، لا تصدقونني قالت : ثم التمست اسم يعقوب ، فما أذكره ، فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( يوسف : 18 ) قالت : فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه ، فسجي بثوبه ، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت وما باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وأن الله غير ظالمي ، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ، ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ظننت لتخرجن أنفسهما ؛ فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس . قالت : ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : أبشري يا عائشة ، قد . قالت : قلت : الحمد لله . ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك ، ثم أمر بمسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة ، أنزل الله عز وجل براءتك . فضربوا حدهم فائدة حديثية حول حديث الإفك في البخاري قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فصل عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها ، خرج بها معه ، فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه ، كما كان يصنع ، فخرج سهمي عليهن معه ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق ، لم يهبجهن اللحم فيثقلن ، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ، ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي ، ويحملونني فيأخذون بأسفل الهودج ، فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير ، فيشدونه بحباله ، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به . قالت : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، وجه قافلا ، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا ، فبات به بعض الليل ، ثم أذن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي عقد لي ، فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ، ولا أدري فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي ، فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كانوا يرحلون لي البعير ، وقد كانوا فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه ، كما كنت أصنع ، فاحتملوه فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ، فرجعت إلى العسكر ، وما فيه داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس . قالت : فتلففت بجلبابي ، ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو افتقدت لرجع إلي . قالت : فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ، وقد كان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته ، فلم يبت مع الناس ، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأنا متلففة في ثيابي . قال : ما خلفك ، يرحمك الله ؟ قالت : فما كلمته . ثم قرب إلي البعير ، فقال : اركبي . واستأخر عني . قالت : فركبت ، وأخذ برأس البعير ، فانطلق سريعا يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس ، وما افتقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، وارتج العسكر ، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك ، ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ، لا يبلغني من ذلك شيء ، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ، لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ؛ كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك ، فأنكرت ذلك منه ، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال : كيف تيكم ؟ لا يزيد على ذلك . قالت : حتى وجدت في نفسي فقلت : يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جفائه لي - لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرضتني ؟ قال : " لا عليك " . قالت : فانتقلت إلى أمي ، ولا علم لي بشيء مما كان ، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ، وكنا قوما عربا ، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا نخرج في فسح المدينة ، وإنما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن ، فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ، خالة أبي بكر الصديق . قالت : فوالله إنها لتمشي معي ، إذ عثرت في مرطها فقالت : تعس مسطح . ومسطح لقب ، واسمه عوف . قالت : فقلت : بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين ، وقد شهد بدرا . قالت : أوما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟ ! قالت : قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك . قلت : أوقد كان هذا ؟! قالت : نعم والله لقد كان . قالت :
ومما وقع في أن في بعض طرق البخاري عن أبي وائل عن مسروق ، قال : سألت أم رومان عن حديث الإفك فحدثتني . قال غير واحد : وهذا غلط ظاهر ، فإن أم رومان ماتت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها ، وقال : ( حديث الإفك ) ، قالوا : ولو كان مسروق قدم المدينة في حياتها ، وسألها للقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، ومسروق إنما قدم المدينة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : وقد روى مسروق عن أم رومان حديثا غير هذا فأرسل الرواية عنها ، فظن بعض الرواة أنه سمع منها ، فحمل هذا الحديث على السماع ، قالوا : ولعل مسروقا قال : سئلت أم رومان ، فتصحفت على بعضهم : سألت ، لأن من الناس من يكتب الهمزة بالألف على كل حال . وقال آخرون : كل هذا لا يرد الرواية الصحيحة التي أدخلها البخاري في " صحيحه " وقد قال إبراهيم الحربي وغيره : إن مسروقا سألها وله خمس عشرة سنة ، ومات وله ثمان وسبعون سنة ، وأم رومان أقدم من حدث عنه ، قالوا : وأما حديث موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزوله في قبرها ، فحديث لا يصح ، وفيه علتان تمنعان صحته ، إحداهما : رواية علي بن زيد بن جدعان له ، وهو ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه ، والثانية : أنه رواه عن القاسم بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والقاسم لم يدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يقدم هذا على حديث إسناده كالشمس يرويه البخاري في " صحيحه " ، ويقول فيه مسروق : سألت أم رومان فحدثتني ، وهذا يرد أن يكون اللفظ : سئلت . وقد قال أبو نعيم في كتاب " معرفة الصحابة " : قد قيل : إن أم رومان توفيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وهم . فائدة في وقت نزول الرخصة بالتيمم قال ابن القيم: وذكر الطبراني في " معجمه " من حديث محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت : ( من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى هذه ) ، وهذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة ، وهو الظاهر ، ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه ، فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى ولما كان من أمر عقدي ما كان ، قال أهل الإفك ما قالوا ، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة أخرى ، فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس ، ولقيت من أبي بكر ما شاء الله ، وقال لي : يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله الرخصة في التيمم