حروب المهلب بن أبي صفرة والخوارج من الأزارقة
وفي هذه السنة كانت حروب كثيرة جدا بين المهلب بن أبي صفرة نائب الحجاج ، وبين الخوارج من الأزارقة ، وأميرهم قطري بن الفجاءة ، وكان أيضا من الفرسان الشجعان المذكورين المشهورين ، وقد تفرق عنه أصحابه ، ونفروا في هذه السنة ، وأما هو فشرد في الأرض لا يدرى أين ذهب ، وقد جرت بينهم مناوشات ومجاولات يطول بسطها واستقصاؤها ، وقد بالغ ابن جرير في ذكرها .
خروج بكير بن وشاح على أمية بن عبد الله بن خالد
قال : وفي هذه السنة ثار بكير بن وشاح الذي كان نائب خراسان ، على نائبها أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد - كما سيأتي - وذلك أن بكيرا استجاش عليه الناس ، وغدر به وقتله ، وقد جرت بينهما خطوب طويلة ، قد استقصاها أبو جعفر - رحمه الله - في تاريخه .
. عبور أمية نهر بلخ للغزو
في هذه السنة ، ثم نجوا بعدما أشرفوا على الهلاك ، ورجعوا إلى مرو . عبر أمية نهر بلخ للغزو ، فحوصر حتى جهد هو وأصحابه
من حج بالناس هذه السنة
. وحج هذه السنة بالناس أبان بن عثمان ، وهو أمير المدينة
. وكان على الكوفة والبصرة الحجاج ، وعلى خراسان أمية
غزو الصائفة
وغزا هذه السنة الصائفة الوليد بن عبد الملك . هلاك قطري وعبد رب الكبير وعبيدة بن هلال
. وفي هذه السنة هلك قطري ، وعبد رب الكبير ، وعبيدة بن هلال ومن كان معهم من الأزارقة
وقيل: بل كان هلاكهم في سنة ثمان وسبعين . وسبب هلاكهم أنهم لما اختلفوا ، وتوجه قطري إلى طبرستان ، ووجه الحجاج جيشا مع سفيان بن الأبرد ، فاتبعهم ، فلحق قطريا في شعاب طبرستان ، فقاتلوه فتفرق عنه أصحابه ، ووقع عن دابته في أسفل الشعب فتدهدى إلى أسفله . فأتاه علج من أهل البلد ، فقال له قطري: اسقني ماء ، فقال: أعطني شيئا حتى أسقيك ، قال: ويحك ، والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي ، فأشرف العلج عليه وحدر عليه حجرا عظيما فأصاب إحدى وركيه فأوهنه ، وصاح بالناس ، فأقبلوا فقتلوه .
فبعث سفيان برأسه مع أبي جهم بن كنانة الكلبي إلى الحجاج ، ثم أتى به عبد الملك ، ثم إن سفيان أقبل إلى عسكر عبيدة بن هلال وقد تحصن في قصر بقومس فأحاط به وبأصحابه ، فجهدوا حتى أكلوا دوابهم ، ثم خرجوا فقاتلوه فقتلهم ، وبعث برءوسهم إلى الحجاج . خروج مطرف بن المغيرة على الحجاج
. وفي هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج ، وخلع عبد الملك بن مروان ، ولحق بالجبل فقتل
وسبب ذلك أن الحجاج ولى أولاد المغيرة فاستعمل عروة بن المغيرة على الكوفة ، ومطرف على المدائن ، وحمزة على همدان . وأقبل شبيب الخارجي إلى المدائن ، فكتب مطرف إلى الحجاج بخبره ، فأمده بالرجال ، فلما نزل شبيب بهرسير قطع مطرف الجسر فيما بينه وبينه ، وبعث إلى شبيب: ابعث رجالا من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه ، فبعث إليه: ابعث إلي رجالا يكونون عندي حتى ترد أصحابي ، فقال له: كيف آمنك على أصحابي ، وأنت لا تأمنني على أصحابك؟
فقال: إنك قد علمت أننا لا نستحل في ديننا الغدر وأنتم تفعلونه ، فبعث إليهم رجالا وبعثوا إليه رجالا ، فقال لأصحابهم: إلى ما تدعون؟ فقالوا: إلى كتاب الله وسنة نبيه ، والذي نقمنا على قومنا الاستئثار بالفيء ، وتعطيل الحدود ، والتسلط بالجبرية ، وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج ، فقيل له: إن هذا الخبر يبلغ القوم فلا تقم في مقامك ، فخرج وجمع رءوس أصحابه وقال لهم: إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء ، فإني لا أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور .
ثم بايعه أصحابه ، ثم بعث إلى أخيه حمزة: أمددني بما قدرت عليه من مال أو سلاح ، فقال للرسول: ثكلتك أمك ، أنت قتلت مطرفا؟ فقال: لا ، ولكن مطرفا قتل نفسه وقتلني ، وليته لا يقتلك ، قال: ويحك ، من سول له هذا الأمر؟ قال: نفسه .
ثم قوي أمر مطرف ، فأخبر الحجاج ، فبعث الجيوش لقتاله ، وبعث إلى أخيه حمزة من أوثقه بالحديد وحبسه ، فالتقت الجيوش بمطرف فاقتتلوا ، فخرج من عسكر مطرف بكير بن هارون ، فصاح: يا أهل ملتنا ، نسألكم بالله -عز وجل- الذي لا إله إلا هو لما أنصفتمونا ، خبرونا عن عبد الملك وعن الحجاج ، ألستم تعلمونهما جائرين مستأثرين يتبعان الهوى ، ويأخذان على الظنة ، ويقتلان على الغضب . فنادوه: كذبت .
فقال: ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى .
فخرج إليه رجل فاقتتلا ، فقتل الرجل ، ثم اشتد القتال ، فانكشفت خيل مطرف فوصلوا إليه ، واحتز رأسه عمرو بن هبيرة ، ثم طلب الأمان لبكير بن هارون ، من أمير الجيش فأمنه .