الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فتح إرقيلية

            ثم دخلت سنة ثمان وسبعين

            ففيها كانت غزوة عظيمة للمسلمين ببلاد الروم ، ففتحوا إرقيلية ، فلما رجعوا أصابهم مطر عظيم وثلج وبرد ، فأصيب بسببه ناس كثير .

            تولية موسى بن نصير غزو بلاد المغرب

            وفيها ولى عبد الملك موسى بن نصير غزو بلاد المغرب  جميعه ، فسار إلى طنجة وقدم على مقدمته طارقا ، فقتلوا ملوك تلك البلاد ، وبعضهم قطعوا أنفه ونفوه .

            عزل أمية بن عبد الله عن إمرة خراسان

            وفيها عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن إمرة خراسان ، وأضافها إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مع سجستان أيضا ، وركب الحجاج بعد فراغه من شأن شبيب من الكوفة إلى البصرة ، وقد استخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن عامر الحضرمي ، فقدم المهلب على الحجاج وهو بالبصرة ، وقد فرغ من شأن الأزارقة أيضا ، فأجلسه معه على السرير ، واستدعى بأصحاب البلاء من جيشه ، فمن أثنى عليه المهلب أجزل الحجاج له العطية ، ثم ولى الحجاج المهلب إمرة سجستان ، وولى عبيد الله بن أبي بكرة إمرة خراسان ، ثم ناقل بينهما قبل خروجهما من عنده ، فقيل : كان ذلك بإشارة المهلب . وقيل : إنه استعان بصاحب الشرطة ، وهو عبد الرحمن بن عبيد بن طارق العبشمي ، حتى أشار على الحجاج بذلك ، فأجابه الحجاج إلى ذلك ، وألزم المهلب بألف ألف درهم ; لكونه اعترض على ذلك .

            من حج بالناس في هذه السنة

            قال أبو معشر : وحج بالناس فيها الوليد بن عبد الملك ، وكان أمير المدينة أبان بن عثمان ، وأمير العراق وخراسان وسجستان وتلك النواحي كلها الحجاج ، ونائبه على خراسان المهلب بن أبي صفرة ونائبه على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي ، وعلى قضاء الكوفة شريح ، وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس بن مالك الأنصاري . فراغ الحجاج من بناء واسط

            وفي هذه السنة فرغ الحجاج من بناء واسط  

            [وسبب تسميتها] أن الحجاج قال: هذا وسط ما بين المصرين: الكوفة والبصرة ، وكان كتب إلى عبد الملك يستأذنه في بناء مدينة بين المصرين ، فأذن له ، فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين ، فبنى القصر والمسجد والسورين ، وحفر الخندق في ثلاث سنين ، وفرغ في هذه السنة ، فأنفق عليها خراج العراق كله خمس سنين ، ثم نقل إليها من وجوه أهل الكوفة ، وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ، ونقل من وجوه أهل البصرة ، وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ، وأمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة ، وأنزل أصحاب الطعام والبزازين والصيارف والعطارين عن يمين السور ، وأنزل البقالين وأصحاب السقط ، وأصحاب الفاكهة في قبلة السور ، وأنزل الروزجارية ، والصناع عن يسار السور إلى دجلة ، وجعل لأهل كل تجارة قطعة لا يخالطهم غيرهم ، وأمر أن يكون مع أهل كل قطعة صيرفي ، وجعل لقصره أربعة أبواب ، واتخذ لهم مقبرة من الجانب الشرقي ، وعقد الجسر وضرب الدراهم ، وولاها لابن أخيه .

            قصة طريفة لابن أخ الحجاج

            وقد جرت لابن أخيه في توليته البلد قصة طريفة : قال: أبو عباد ، قال:

            أدركت الخادم الذي كان يقوم على رأس الحجاج ، فقلت له: أخبرني بأعجب شيء رأيته من الحجاج ، قال : كان ابن أخيه أميرا على واسط ، وكانت بواسط امرأة يقال إنه لم يكن بواسط في ذلك الوقت أجمل منها ، فأرسل ابن أخيه إليها يريدها عن نفسها مع خادم له ، فأبت عليه وقالت: إن أردتني فاخطبني إلى إخوتي . قال: وكانت لها إخوة أربعة ، فأبى وقال: لا إلا كذا ، وعاودها فأبت عليه إلا أن يخطبها ، فأما حرام فلا ، وأبى هو إلا الحرام ، فأرسل إليها بهدية فأخذتها فعزلتها .

            قال: فأرسل إليها عشية جمعة: إني آتيك الليلة ، فقالت لأمها: إن الأمير بعث إلي بكذا وكذا . قال: فأنكرت أمها ذلك ، وقالت أمها لإخوتها: إن أختكم قد زعمت كذا وكذا ، فأنكروا ذلك وكذبوها ، فقالت: إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة وسترونه ، قال: فقعد إخوتها في بيت حيال البيت الذي هي فيه وفيه سراج وهم يرون من يدخل إليها وجويرية لها على باب الدار قاعدة ، حتى جاء فنزل عن دابته وقال لغلامه: إذا أذن المؤذن في الغلس فاتني بدابتي .

            ودخل فمشت الجارية بين يديه وقالت له: ادخل وهي على سرير مستلقية ، فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها وقال: إلى كم ذا المطل؟ فقالت له: كف يدك يا فاسق .

            قال: ودخل إخوتها ومعهم سيوف ، فقطعوه ثم لفوه في نطع وجاءوا به إلى سكة من سكك واسط فألقوه فيها . وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب رفيقا ، فلم يكلمه أحد ، فلما غشي الصبح ، [وخشي] أن تعرف الدابة انصرف . وأصبحوا فإذا هم به ، فأتوا به الحجاج ، فأخذ أهل تلك السكة ، فقال: أخبروني ما هذا وما قصته؟ قالوا: لا نعلم حاله غير أنا وجدناه ملقى ، ففطن الحجاج ، فقال: علي بمن كان يخدمه فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول ، فقيل: هذا كان صاحب سره ، فقال له الحجاج: ما كان حاله ، وما [كانت] قصته؟ فأبى ، فقال: إن صدقتني لم أضرب عنقك ، وإن لم تصدقني فعلت بك وفعلت .

            قال: فأخبره بالأمر على جهته ، فأمر بالمرأة وأمها وإخوتها ، فجيء بهم فعزلت المرأة عنهم فسألها فأخبرته بمثل ما أخبره الخصي ، ثم عزلها وسأل الإخوة فأخبروه بمثل ذلك وقالوا: نحن الذي صنعنا به الذي ترى ، قال: فعزلهم وأمر برقيقه ودوابه وماله للمرأة ، فقالت المرأة: عندي هديته ، فقال: بارك الله لك فيها وأكثر في النساء مثلك ، هي لك ، وكل ما ترك من شيء ، فهو لك ، وقال: مثل هذا لا يدفن ، فألقوه للكلاب .

            ودعا بالخصي وقال: أما أنت فقد قلت لا أضرب عنقك ، فأمر بضرب وسطه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية