الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مقتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفي سنة اثنتين وعشرين ومائة من شهر صفر قتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي تنتسب إليه الطائفة الزيدية . وقيل إنما قتل في صفر من إحدى وعشرين ومائة وفي قول: إنه قتل في سنة عشرين . وكان سبب ذلك أنه لما أخذ البيعة ممن بايعه من أهل الكوفة ، أمرهم في أول هذه السنة بالخروج والتأهب له ، فشرعوا في أخذ الأهبة لذلك ، فانطلق رجل يقال له : سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر نائب العراق فأخبره - وهو بالحيرة يومئذ - خبر زيد بن علي وعند من يكون من أهل الكوفة ، فبعث يوسف بن عمر يطلبه ويلح في طلبه ، فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن علي فقالوا له : ما قولك يرحمك الله ، في أبي بكر ، وعمر ؟ فقال : غفر الله لهما ، ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرأ منهما ، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا . قالوا : فلم تطلب إذا بدم أهل البيت ؟ فقال : إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر ، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه ، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا ، قد ولوا فعدلوا ، وعملوا بالكتاب والسنة . قالوا : فلم تقاتل هؤلاء إذا ؟ قال : إن هؤلاء ليسوا كأولئك ، إن هؤلاء ظلموا الناس ، وظلموا أنفسهم ، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإحياء السنن وإماتة البدع ، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي ، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل . فرفضوا وانصرفوا عنه ، ونقضوا بيعته وتركوه ، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية وغالب أهل الكوفة منهم رافضة وغالب أهل مكة إلى اليوم على مذهب الزيدية وفيه حق وهو تعديل الشيخين ، وباطل وهو اعتقاد تقديم علي عليهما ، وليس علي مقدما عليهما ، بل ولا عثمان على أصح قولي أهل السنة والآثار الصحيحة الثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم

            عزم زيد بن علي على الخروج ثم إن زيدا عزم على الخروج بمن بقي معه من أصحابه ، فواعدهم ليلة الأربعاء مستهل صفر من هذه السنة ، فبلغ ذلك يوسف بن عمر فكتب إلى نائبه على الكوفة وهو الحكم بن الصلت يأمره بجمع الناس كلهم في المسجد الجامع ، فجمع الناس لذلك في يوم الثلاثاء سلخ المحرم ، قبل خروج زيد بيوم ، وخرج زيد بمن معه ليلة الأربعاء في برد شديد ، ورفع أصحابه النيران ، وجعلوا ينادون : يا منصور يا منصور . فلما طلع الفجر إذا قد اجتمع معه مائتان وثمانية عشر رجلا ، فجعل زيد يقول : سبحان الله ! أين الناس ؟ فقيل : هم في المسجد محصورون . وكتب الحكم بن الصلت إلى يوسف بن عمر يعلمه بخروج زيد بن علي فبعث إليه سرية إلى الكوفة ، وركبت الجيوش مع نائب الكوفة ، وجاء يوسف بن عمر أيضا في طائفة كبيرة من الناس ، فالتقى زيد بمن معه جرثومة منهم فيهم خمسمائة فارس فهزمهم ثم أتى الكناسة ، فحمل على جمع من أهل الشام ، فهزمهم ، ثم اجتاز بيوسف بن عمر وهو واقف فوق تل وزيد في مائتي فارس ، ولو قصد يوسف بن عمر لقتله ، ولكن أخذ ذات اليمين ، وكلما التقى بطائفة من أهل الكوفة هزمهم ، وجعل أصحابه ينادون : يا أهل الكوفة اخرجوا إلى الدين والعز والدنيا ، فإنكم لستم في دين ولا عز ولا دنيا . ثم لما أمسوا انضاف إليه جماعة من أهل الكوفة ، وقد قتل بعض أصحابه في أول يوم ، فلما كان اليوم الثاني اقتتل هو وطائفة من أهل الشام ، فقتل منهم سبعين رجلا ، وانصرفوا عنه بشر حال ، وأمسوا فعبأ يوسف بن عمر جيشه جدا ، ثم أصبحوا فالتقوا مع زيد بن علي في أصحابه ، فكشفهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم إلى بني سليم ثم تبعهم في خيله ورجله حتى أخذوا على المسناة ، ثم اقتتلوا هناك قتالا شديدا جدا ، حتى كان جنح الليل رمي زيد بسهم ، فأصاب جانب جبهته اليسرى ، فوصل إلى دماغه ، فرجع ورجع أصحابه ، ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل ، وأدخل زيد في دار في سكة البريد وجيء بطبيب فانتزع ذلك السهم من جبهته ، فما عدا أن انتزعه حتى مات من ساعته ، رحمه الله .

            الاختلاف في مكان دفن زيد بن علي بن الحسين فاختلف أصحابه أين يدفنوه ، فقال بعضهم : ألبسوه درعه وألقوه في الماء . وقال بعضهم : احتزوا رأسه واتركوا جثته في القتلى . فقال ابنه : لا والله لا تأكل أبي الكلاب . وقال بعضهم : ادفنوه في العباسية . وقال بعضهم : ادفنوه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين . ففعلوا ذلك وأجروا على قبره الماء ; لئلا يعرف ، وانفتل أصحابه ولم يبق لهم رأس يقاتلون به ، فما أصبح الفجر ولهم قائمة ينهضون بها ، وتتبع يوسف بن عمر الجرحى هل يجد زيدا بينهم ، وجاء مولى لزيد سندي ، قد شهد دفنه ، فدل على قبره ، فأخذ من قبره ، فأمر يوسف بن عمر بصلبه على خشبة بالكناسة ومعه نصر بن خزيمة ، ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري ، وزياد النهدي ويقال : إن زيدا مكث مصلوبا أربع سنين ، ثم أنزل بعد ذلك وأحرق . فالله أعلم .

            رواية أخرى لأبي جعفر بن جرير الطبري وقد ذكر أبو جعفر بن جرير الطبري أن يوسف بن عمر لم يعلم بشيء من أمر زيد بن علي حتى كتب له هشام بن عبد الملك يقول له : إنك لغافل ، وإن زيد بن علي غارز ذنبه بالكوفة يبايع له ، فألح في طلبه وأعطه الأمان ، فإن لم يقبل فقاتله . فتطلبه يوسف بن عمر حتى كان من أمره ما ذكرناه ، فلما ظهر على قبره حز رأسه ، وبعث به إلى هشام بن عبد الملك فنصبه على باب دمشق ثم أمر به فساروا به إلى المدينة حتى نصبوه على أحد أبوابها ، وأما جثته فلم تزل مصلوبة تحرس ليلا ونهارا حتى انقضت دولة هشام وقام من بعده الوليد بن يزيد فأمر به ، فأنزل وحرق في أيامه ، قبح الله الوليد هذا . وقيل : كان خراش بن حوشب بن يزيد الشيباني على شرطة زيد ، وهو الذي نبش زيدا وصلبه ، فقال السيد الحموي :

            بت ليلا مسهدا ساهر العين مقصدا     ولقد قلت قولة
            وأطلت التبلدا     لعن الله حوشبا
            وخراشا ومزيدا     ويزيدا فإنه
            كان أعتى وأعندا     ألف ألف وألف أل
            ف من اللعن سرمدا     إنهم حاربوا الإل
            ه وآذوا محمدا

                شركوا في دم المطه
            ر زيد تعندا     ثم عالوه فوق جذ
            ع صريعا مجردا     يا خراش بن حوشب
            أنت أشقى الورى غدا

            وأما ابنه يحيى بن زيد بن علي فاستجار بعبد الملك بن بشر بن مروان فبعث إليه يوسف بن عمر يتهدده حتى يحضره ، فقال له عبد الملك بن بشر : ما كنت لأؤوي مثل هذا الرجل وهو عدونا وابن عدونا . فصدقه يوسف بن عمر في ذلك . ولما هدأ الطلب عنه سيره إلى خراسان ، فخرج يحيى بن زيد في جماعة من الزيدية إلى خراسان فأقاموا بها هذه المدة .

            قال أبو مخنف : ولما قتل يوسف بن عمر زيد بن علي خطب أهل الكوفة ، فتهددهم وتوعدهم وشتمهم وأنبهم ; قال فيما قال : والله لقد استأذنت أمير المؤمنين في قتل خلق منكم ، ولو أذن لي لقتلت مقاتلتكم ، وسبيت ذراريكم ، وما صعدت هذا قال المنبر إلا لأسمعكم ما تكرهون .

            وذكر أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي في كتاب المقالات: أن زيد بن علي لما خرج قتل في المعركة ودفنه أصحابه ، فعلم به يوسف بن عمر ، فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بحرقه فأحرق ونسف رماده في الفرات .

            خروج يحيى بن زيد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثم خرج يحيى بن زيد بالجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، فبعث نصر بن سيار إليه سلم بن أجوز المازني فحاربه ، فقتل في المعركة ، ودفن في بعض الخانات .

            خروج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بالمدينة ، وبويع له في الآفاق ، فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى ، وحميد بن قحطبة فقتلاه ، وقتلا من أجله تحت الهدم أباه عبد الله ، وعلي بن الحسن بن الحسن ، وجماعة ، ودفن إبراهيم بن الحسن بن الحسن وهو حي بالكوفة ، وكان محمد بن عبد الله وجه ولده وإخوته إلى الآفاق يدعون إليه فوجه ابنه عليا إلى مصر ، فأخذ هناك وقتل ، ووجه ابنه عبد الله إلى خراسان فطلب ، فهرب إلى السند ، فأخذ بها وقتل ، ووجه ابنه الحسن إلى اليمن فأخذ لنفسه أمانا ثم حبس فمات في السجن ، ثم وجه أخاه موسى إلى الجزيرة ، فأخذ لنفسه أمانا ، ووجه أخاه إدريس إلى المغرب ، ووجه أخاه يحيى إلى الري ، وخرج بعده أخوه إبراهيم [بن عبد الله إلى] البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس وأكثر السواد ، وشخص عن البصرة يريد محاربة المنصور ، فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم ، فحارب حتى قتل ومضى أخوه إدريس بن عبد الله إلى المغرب فغلب على بلدان كثيرة [وبسط العدل فيها .

            خروج الحسين بن علي بن حسن بن حسن وخرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن فبايعه الناس] ، وعسكر بفخ على ستة أميال من مكة ، فخرج إليه موسى بن عيسى في أربعة آلاف فقتل وأكثر من كان معه ، ولم يتجاسر أحد أن يدفنهم ثلاثة أيام ، فأكلت أكثرهم السباع .

            وكان خروجه سنة سبع وستين ومائة في خلافة موسى ، وأسر ممن كان معه سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن فضربت عنقه بمكة صبرا ، وقتل معه جماعة .

            خروج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وخرج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن فقتل ، وخرج محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بتاهرت فغلب عليها .

            وخرج بالكوفة أيام المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، ثم مات بعد أربعة أشهر . فخرج من بعده محمد بن محمد بن زيد بن زيد بن علي ، فأخذ وأظهر موته .

            وخرج باليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين داعية لمحمد بن إبراهيم فأمنه المأمون . وخرج جعفر بن إبراهيم بن موسى بن جعفر باليمن ، فقدم به على المأمون فأمنه . وخرج محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بالطالقان في خلافة المعتصم ، فوجه إليه عبد الله بن طاهر ، فانهزم محمد ، ثم وقعوا به فأنفذ إلى المعتصم ، فحبسه في قصره فقيل إنه مات ، وقال قوم من الشيعة: إنه سيظهر .

            خروج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين داعية لمحمد بن إبراهيم ، فلما مات محمد دعا إلى نفسه [فحمل إلى المأمون .

            وخرج الأفطس بالمدينة داعية لمحمد بن إبراهيم فلما مات محمد دعا إلى نفسه] ، وهرب العباس بن محمد بن عبد الله بن علي من الرشيد ، فدعا به ، فشتمه ، فرد عليه [ما قال] ، فضرب بين يديه بالعمد حتى مات .

            وخرج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بطبرستان فما زالت بيده حتى مات ، [وخلفه أخوه محمد فحاربه رافع بن هرثمة ، ثم تابعه بالري محمد بن جعفر بن الحسن ، فأسروا ، وحمل إلى محمد بن طاهر ، فحبسه حتى مات] .

            وخرج الكوكبي واسمه الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل فهزمه موسى بن بغا ، وخرج بالكوفة أيام المستعين يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي فحارب فقتل . وخرج الحسين بن محمد بن حمزة ، فأخذ وحبس .

            وخرج ابن الأفطس [بالمدينة] ، وخرج بالمدينة إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله ، فخلفه أخوه محمد ، فطلب فهرب ومات .

            وخرج ابن لموسى بن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فمضى إلى فارس ، فمات بها .

            وخرج صاحب البصرة وكان يدعي أنه علي بن محمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي ، وكان أنصاره الزنج ، وكان يرى رأي الأزارقة ،

            التالي السابق


            الخدمات العلمية