الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عن صالح بن كيسان: أن الوليد ولى سعد بن إبراهيم على قضاء المدينة ، وأراد الوليد الحج ، فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه فيها ، وكان فظا متجبرا ، فأراد بزعمه أن يطوف فيها حول الكعبة ، ويطوف الناس من وراء القبة ، فحملها على الإبل من الشام ، ووجه معها قائدا من قواد أهل الشام في ألف فارس ، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة ، فقدم بها فنصبت في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففزع لذلك أهل المدينة ثم اجتمعوا فقالوا: إلى من نفزع في هذا الأمر ، فقالوا: إلى سعد بن إبراهيم ، فأتاه الناس فأخبروه الخبر ، فأمرهم أن يضرموها بالنار ، فقالوا: لا نطيق ذلك ، معها قائد في ألف فارس من أهل الشام ، فدعا مولى له فقال: هلم الجراب ، فأتاه بجراب فيه درع عبد الرحمن التي شهد فيها بدرا ، فصبها عليه وقال لغلامه: هلم بغلتي ، فأتاه ببغلته فركبها ، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى إذا أتاه قال: علي بالنار ، فأتي بنار فأضرمها فيها ، فغضب القائد وهم بالخصومة ، فقيل له: هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك به ، فانصرف راجعا إلى الشام ، وشبع عبيد أهل المدينة من الناطق مما استلبوه من حديدها .

            فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه: ول القضاء رجلا وأقدم علينا ، فولى القضاء رجلا وركب حتى أتى الشام ، فأقام ببابه أشهرا لا يؤذن له حتى نفدت نفقته ، وأضر به طول المقام ، فبينا هو ذا عشية في المسجد إذا هو بفتى في جبة صفراء سكران ، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا خال أمير المؤمنين سكران يطوف في المسجد ، فقال لمولى له: هلم بالسوط ، فأتاه بسوطه ، فقال: علي به ، فأتي به فضربه في المسجد ثمانين سوطا ، وركب بغلته ومضى راجعا إلى المدينة ، فأدخل الفتى على الوليد مجلودا ، فقال: من فعل هذا به؟ قالوا: مديني كان في المسجد ، فقال: علي به ، فلحق على مرحلة ، فدخل عليه ، فقال أبا إسحاق: ماذا فعلت يا ابن أخيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، إنك وليتنا أمرا من أمورك ، وإني رأيت حد الله ضائعا ، سكران يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس ، وكرهت أن يرجع الناس عنك بتعطيل الحدود ، فأقمت عليه حده ، فقال: جزاك الله خيرا ، وأمر له بمال وصرفه إلى المدينة ولم يذاكره شيئا من أمر القبة ، ولا عن فعله فيها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية