عن صالح بن كيسان: أن الوليد ولى سعد بن إبراهيم على قضاء المدينة ، وأراد الوليد الحج ، فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه فيها ، وكان فظا متجبرا ، فأراد بزعمه أن يطوف فيها حول الكعبة ، ويطوف الناس من وراء القبة ، فحملها على الإبل من الشام ، ووجه معها قائدا من قواد أهل الشام في ألف فارس ، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة ، فقدم بها فنصبت في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففزع لذلك أهل المدينة ثم اجتمعوا فقالوا: إلى من نفزع في هذا الأمر ، فقالوا: إلى سعد بن إبراهيم ، فأتاه الناس فأخبروه الخبر ، فأمرهم أن يضرموها بالنار ، فقالوا: لا نطيق ذلك ، معها قائد في ألف فارس من أهل الشام ، فدعا مولى له فقال: هلم الجراب ، فأتاه بجراب فيه درع عبد الرحمن التي شهد فيها بدرا ، فصبها عليه وقال لغلامه: هلم بغلتي ، فأتاه ببغلته فركبها ، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى إذا أتاه قال: علي بالنار ، فأتي بنار فأضرمها فيها ، فغضب القائد وهم بالخصومة ، فقيل له: هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك به ، فانصرف راجعا إلى الشام ، وشبع عبيد أهل المدينة من الناطق مما استلبوه من حديدها .
فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه: ول القضاء رجلا وأقدم علينا ، فولى القضاء رجلا وركب حتى أتى الشام ، فأقام ببابه أشهرا لا يؤذن له حتى نفدت نفقته ، وأضر به طول المقام ، فبينا هو ذا عشية في المسجد إذا هو بفتى في جبة صفراء سكران ، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا خال أمير المؤمنين سكران يطوف في المسجد ، فقال لمولى له: هلم بالسوط ، فأتاه بسوطه ، فقال: علي به ، فأتي به فضربه في المسجد ثمانين سوطا ، وركب بغلته ومضى راجعا إلى المدينة ، فأدخل الفتى على الوليد مجلودا ، فقال: من فعل هذا به؟ قالوا: مديني كان في المسجد ، فقال: علي به ، فلحق على مرحلة ، فدخل عليه ، فقال أبا إسحاق: ماذا فعلت يا ابن أخيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، إنك وليتنا أمرا من أمورك ، وإني رأيت حد الله ضائعا ، سكران يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس ، وكرهت أن يرجع الناس عنك بتعطيل الحدود ، فأقمت عليه حده ، فقال: جزاك الله خيرا ، وأمر له بمال وصرفه إلى المدينة ولم يذاكره شيئا من أمر القبة ، ولا عن فعله فيها .