ذكر اضطراب بني أمية
في هذه السنة اضطرب أمر بني أمية وهاجت الفتنة ، فكان من ذلك وثوب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد قتل الوليد بعمان ، وكان قد حبسه الوليد بها ، فخرج من الحبس وأخذ ما كان بها من الأموال وأقبل إلى دمشق وجعل يلعن الوليد ويعيبه بالكفر . ما جاء في خلاف أهل حمص ومقاتلة يزيد بن الوليد لهم والظفر بهم ذكر خلاف أهل حمص
لما قتل الوليد أغلق أهل حمص أبوابها وأقاموا النوائح والبواكي عليه ، وقيل لهم : إن العباس بن الوليد بن عبد الملك أعان عبد العزيز على قتله ، فهدموا داره وأنهبوها وسلبوا حرمه وطلبوه ، فسار إلى أخيه يزيد ، فكاتبوا الأجناد ودعوهم إلى الطلب بدم الوليد ، فأجابوهم واتفقوا أن لا يطيعوا يزيد وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن الحصين بن نمير ، ووافقهم مروان بن عبد الله بن عبد الملك على ذلك .
فراسلهم يزيد فلم يسمعوا وجرحوا رسله . فسير إليهم أخاه مسرورا في جمع كثير ، فنزلوا حوارين ، ثم قدم على يزيد سليمان بن هشام ، فرد عليه يزيد ما كان الوليد أخذه من أموالهم وسيره إلى أخيه مسرور ومن معه وأمرهم بالسمع والطاعة له .
وكان أهل حمص يريدون المسير إلى دمشق ، فقال لهم مروان بن عبد الملك : أرى أن تسيروا إلى هذا الجيش فتقاتلوهم فإن ظفرتم بهم كان من بعدهم أهون عليكم ، ولست أرى المسير إلى دمشق وترك هؤلاء خلفكم . فقال السمط بن ثابت : إنما يريد خلافكم وهو ممايل ليزيد والقدرية . فقتلوه وقتلوا ابنه وولوا أبا محمد السفياني وتركوا عسكر سليمان ذات اليسار وساروا إلى دمشق .
فخرج سليمان مجدا فلحقهم بالسليمانية ، مزرعة كانت لسليمان بن عبد الملك خلف عذراء ، وأرسل يزيد بن الوليد عبد العزيز بن الحجاج في ثلاثة آلاف إلى ثنية العقاب ، وأرسل هشام بن مصاد في ألف وخمسمائة إلى عقبة السلامية ، وأمرهم أن يمد بعضهم بعضا . ولحقهم سليمان ومن معه على تعب ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت ميمنة سليمان وميسرته وثبت هو في القلب ، ثم حمل أصحابه على أهل حمص حتى ردوهم إلى موضعهم وحمل بعضهم على بعض مرارا .
فبينا هم كذلك إذ أقبل عبد العزيز بن الحجاج من ثنية العقاب فحمل على أهل حمص حتى دخل عسكرهم وقتل فيه من عرض له ، فانهزموا ، ونادى يزيد بن خالد بن عبد الله القسري : الله الله في قومك ! فكف الناس ، ودعاهم سليمان بن هشام إلى بيعة يزيد بن الوليد ، وأخذ أبو محمد السفياني أسيرا ، ويزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية أيضا ، فأتي بهما سليمان ، فسيرهما إلى يزيد فحبسهما ، واجتمع أمر أهل دمشق ليزيد بن الوليد ، وبايعه أهل حمص ، فأعطاهم يزيد العطاء وأجاز الأشراف ، واستعمل عليهم يزيد بن الوليد معاوية بن يزيد بن الحصين . ما جاء في خلاف أهل فلسطين ليزيد بن الوليد ثم تفرقهم ومبايعته ذكر خلاف أهل فلسطين
وفي هذه السنة وثب أهل فلسطين على عاملهم سعيد بن عبد الملك فطردوه ، وكان قد استعمله عليهم الوليد ، وأحضروا يزيد بن سليمان بن عبد الملك فجعلوه عليهم وقالوا له : إن أمير المؤمنين قد قتل فتول أمرنا . فوليهم ودعا الناس إلى قتال يزيد ، فأجابوه .
وكان ولد سليمان ينزلون فلسطين ، وبلغ أهل الأردن أمر أهل فلسطين فولوا عليهم محمد بن عبد الملك واجتمعوا معهم على قتال يزيد بن الوليد ، وكان أمر أهل فلسطين إلى سعيد بن روح وضبعان بن روح .
وبلغ خبرهم يزيد بن الوليد فسير إليهم سليمان بن هشام بن عبد الملك في أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السفياني ، وكانت عدتهم أربعة وثمانين ألفا ، وأرسل يزيد بن الوليد إلى سعيد وضبعان ابني روح ، فوعدهما وبذل لهما الولاية والمال ، فرحلا في أهل فلسطين وبقي أهل الأردن ، فأرسل سليمان خمسة آلاف فنهبوا القرى وساروا إلى طبرية ، فقال أهل طبرية : ما نقيم والجنود تجوس منازلنا وتحكم في أهالينا ، فانتهبوا يزيد بن سليمان ومحمد بن عبد الملك وأخذوا دوابهما وسلاحهما ولحقوا بمنازلهم . فلما تفرق أهل فلسطين والأردن ?ار سليمان حتى أتى الصنبرة ، وأتاه أهل الأردن فبايعوا يزيد بن الوليد ، وسار إلى طبرية فصلى بهم الجمعة ، وبايع من بها ، وسار إلى الرملة فأخذ البيعة على من بها ، واستعمل ضبعان بن روح على فلسطين وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك على الأردن .