الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة خمسين ومائة

            ذكر خروج أستاذ سيس   .

            وفيها خرج أستاذ سيس في أهل هراة وباذغيس وسجستان وغيرها من خراسان ، وكان فيما قيل في ثلاثمائة ألف مقاتل ، فغلبوا على عامة خراسان ، وساروا حتى التقوا هم وأهل مرو الروذ .

            فخرج إليهم الأجثم المروروذي في أهل مرو الروذ ، فقاتلوه قتالا شديدا ، فقتل الأجثم ، وكثر القتل في أصحابه ، وهزم عدة من القواد ، منهم : معاذ بن مسلم ، وجبرائيل بن يحيى ، وحماد بن عمرو ، وأبو النجم السجستاني ، وداود بن كرار .

            ووجه المنصور ، وهو بالراذان ، خازم بن خزيمة إلى المهدي ، فولاه المهدي محاربة أستاذ سيس وضم إليه القواد . فسار خازم وأخذ معه من انهزم ، وجعلهم في أخريات الناس يكثر بهم من معه ، وكان معه من هذه الطبقة اثنان وعشرون ألفا .

            ثم انتخب منهم ستة آلاف رجل وضمهم إلى اثني عشر ألفا كانوا معه من المنتخبين ، وكان بكار بن سلم فيمن انتخب ، وتعبأ للقتال ، فجعل الهيثم بن شعبة بن ظهير على ميمنته ، ونهار بن حصين السعدي على ميسرته ، وبكار بن سلم العقيلي في مقدمته ، وكان لواؤه مع الزبرقان .

            فمكر بهم وراوغهم ( في أن ينقلهم ) من موضع إلى موضع وخندق إلى خندق حتى قطعهم ، وكان أكثرهم رجالة ، ثم سار خازم إلى موضع فنزله وخندق عليه وعلى جميع أصحابه ، وجعل له أربعة أبواب ، وجعل على كل باب ألفا من أصحابه الذين انتخب .

            وأتى أصحاب أستاذ سيس ومعهم الفئوس والمرور والزبل ليطموا الخندق ، فأتوا الخندق من الباب الذي عليه بكار بن سلم ، فحملوا على أصحاب بكار حملة هزموهم بها ، فرمى بكار بنفسه ، فترجل على باب الخندق وقال لأصحابه : لا يؤتى المسلمون من ناحيتنا .

            ترجل معه من أهله وعشيرته نحو من خمسين رجلا وقاتلوهم حتى ردوهم من بابهم ، ثم أقبل إلى الباب الذي عليه خازم رجل من أصحاب أستاذ سيس من أهل سجستان اسمه الحريش ، وهو الذي كان يدبر أمره ، فلما رآه خازم مقبلا بعث إلى الهيثم بن شعبة ، وكان في الميمنة ، يأمره أن يخرج من الباب الذي عليه بكار ، فإن من بإزائه قد شغلوا عنهم ، ويسير حتى يغيب عن أبصارهم ، ثم يرجع من خلف العدو ، وقد كانوا يتوقعون قدوم أبي عون ، وعمرو بن سلم بن قتيبة من طخارستان .

            وبعث خازم إلى بكار : إذا رأيت رايات الهيثم قد جاءت كبروا وقولوا : قد جاء أهل طخارستان . ففعل ذلك الهيثم ، وخرج خازم في القلب على الحريش وشغلهم بالقتال ، وصبر بعضهم لبعض .

            فبينا هم على ذلك نظروا إلى أعلام الهيثم فتنادوا بينهم : جاء أهل طخارستان ، فلما نظروا إليها حمل عليهم أصحاب خازم فكشفوهم ، ولقيهم أصحاب الهيثم فطعنوهم بالرماح ورموهم بالنشاب .

            وخرج [ عليهم ] نهار بن حصين من ناحية الميسرة ، وبكار بن سلم وأصحابه من ناحيتهم ، فهزموهم ووضعوا فيهم السيوف ، فقتلهم المسلمون فأكثروا ، وكان عدد من قتل سبعين ألفا ، وأسروا أربعة عشر ألفا ، ونجا أستاذ سيس إلى جبل في نفر يسير ، فحصرهم خازم ، وقتل الأسرى .

            ووافاه أبو عون وعمرو بن سلم ومن معهما ، فنزل أستاذ سيس على حكم أبي عون ، فحكم أن يوثق أستاذ سيس وبنوه وأهل بيته بالحديد ، وأن يعتق الباقون وهم ثلاثون ألفا ، فأمضى خازم حكمه وكسا كل رجل ثوبين ، وكتب إلى المهدي بذلك ، فكتب المهدي إلى المنصور .

            وقيل : إن خروج أستاذ سيس كان سنة خمسين ، وكانت هزيمته سنة إحدى وخمسين ومائة .

            وقد قيل : إن أستاذ سيس ادعى النبوة ، وأظهر أصحابه الفسق وقطع السبيل .

            وقيل : إنه جد المأمون أبو أمه مراجل ، وابنه غالب خال المأمون ، وهو الذي قتل ذا الرياستين الفضل بن سهل لمواطأة من المأمون ، وسيرد ذكره إن شاء الله .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية