وفيها توفي . الإمام أبو حنيفة
ذكر ترجمته
هو الإمام أبو حنيفة ، واسمه النعمان بن ثابت التيمي ، مولاهم الكوفي ، فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام ، والسادة الأعلام ، وأحد أركان العلماء ، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة ، وهو أقدمهم وفاة; لأنه أدرك عصر الصحابة ، ورأى أنس بن مالك ، قيل : وغيره . وذكر بعضهم أنه روى عن سبعة من الصحابة . فالله أعلم .
وهم أنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن أنيس ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، ومعقل بن يسار ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة بنت عجرد ، رضي الله عنهم . وقد روينا عن أبي حنيفة عن هؤلاء عدة أحاديث ، في صحتها إلى أبي حنيفة نظر; فإن في الإسناد إليه من لا يعرف ، وفي متن بعضها نكارة شديدة . فالله أعلم .
فعن أبي حنيفة ، عن أنس مرفوعا : من قال : لا إله إلا الله . خالصا مخلصا من قلبه دخل الجنة ، ولو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير; تغدو خماصا وتعود بطانا .
وعن جابر : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم ومسلمة .
وعن عبد الله بن أنيس مرفوعا : رأيت في عارضتي الجنة مكتوبا ثلاثة أسطر بالذهب الأحمر ، لا بماء الذهب; السطر الأول : لا إله إلا الله محمد رسول الله . الثاني : الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين . الثالث : وجدنا ما عملنا ، ربحنا ما قدمنا ، خسرنا ما خلفنا ، قدمنا على رب غفور .
وعن عبد الله بن أبي أوفى ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حبك للشيء يعمي ويصم ، والدال على الخير كفاعله ، وإن الله يحب إغاثة الملهوف . وفي لفظ : " اللهفان " .
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء مرفوعا : إغاثة الملهوف فرض على كل مسلم ، ومن تفقه في دين الله كفاه الله همه ، ورزقه من حيث لا يحتسب .
وعن معقل بن يسار مرفوعا : علامة المؤمن ثلاث; إذا قال صدق ، وإذا وعد وفى ، وإذا حدث لم يخن .
وعن واثلة مرفوعا : لا يظنن أحدكم أنه يتقرب إلى الله بأقرب من هذه الركعات . يعني الصلوات الخمس .
وعن عائشة بنت عجرد مرفوعا : الجراد أكثر جنود الله في الأرض ، لا آكله .
وروى عن جماعة من التابعين منهم; الحكم ، وحماد بن أبي سليمان ، وسلمة بن كهيل ، وعامر الشعبي ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، والزهري ، ونافع مولى ابن عمر ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأبو إسحاق السبيعي .
وروى عنه جماعة منهم; ابنه حماد ، وإبراهيم بن طهمان ، وإسحاق بن يوسف الأزرق ، وأسد بن عمرو القاضي ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وحمزة الزيات ، وداود الطائي ، وزفر ، وعبد الرزاق ، وأبو نعيم ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وهشيم ، ووكيع ، وأبو يوسف القاضي .
قال يحيى بن معين : كان ثقة ، وكان من أهل الصدق ، ولم يتهم بالكذب ، ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا . قال : وقد كان يحيى بن سعيد يختار قوله في الفتوى ، وكان يحيى يقول : لا نكذب الله ، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة ، وقد أخذ بأكثر أقواله .
وقال عبد الله بن المبارك : لولا أن الله أغاثني بأبي حنيفة وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس .
وقال الشافعي عن مالك : رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .
وقال الشافعي : من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة ، ومن أراد السيرة فهو عيال على محمد بن إسحاق ، ومن أراد الحديث فهو عيال على مالك ، ومن أراد التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان .
وقال عبد الله بن داود الخريبي : ينبغي للناس أن يدعوا في صلاتهم لأبي حنيفة; لحفظه الفقه والسنن عليهم .
وقال سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك : كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه .
وقال أبو نعيم : كان صاحب غوص في المسائل .
وقال مكي بن إبراهيم : كان أعلم أهل الأرض .
وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أسد بن عمرو ، أن أبا حنيفة كان يصلي في الليل ، ويقرأ القرآن في كل ليلة ، ويبكي حتى يرحمه جيرانه ، ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء ، وأنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة ، وكانت وفاته في رجب من هذه السنة - أعني سنة خمسين ومائة - وعن ابن معين : سنة إحدى وخمسين ومائة . وقال غيره : سنة ثلاث وخمسين . والصحيح الأول .
وكان مولده في سنة ثمانين ، فتم له من العمر سبعون سنة ، وصلي عليه ببغداد ست مرات; لكثرة الزحام ، وقبره هناك ، رحمه الله .