الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في هذه السنة من الأكابر .  

            799 - حجاج بن أرطأة ، أبو أرطأة النخعي الكوفي .  

            سمع عطاء بن أبي رباح وغيره .

            وروى عنه: سفيان الثوري ، وهشيم ، وابن المبارك ، ويزيد بن هارون .

            وكان من حفاظ الحديث ومن الفقهاء . استفتي وهو ابن ست عشرة سنة . وولي القضاء بالبصرة ، إلا أنه كان مدلسا ، يروي عن من لم يلقه ، فيرسل تارة عن مجاهد ، وتارة عن الزهري ولم يلقهما ، وكان مع المنصور في بناء مدينته ، وتولى خطها ، ونصب قبلة مسجدها ، وكان في هذا الرجل تيه كثير ، وكبر خارج عن الحد .

            قال: أبو قلابة : سمعت أبا عاصم يقول: أول من ولي القضاء لبني العباس بالبصرة الحجاج بن أرطأة ،  فجاء إلى حلقة البتي ، فجلس في عرض الحلقة ، وقيل له: ارتفع إلى الصدر . فقال أنا صدر حيث كنت . قال: وقال: أنا رجل حبب إلي الشرف .

            وعن قيس بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف يقول: كان الحجاج بن أرطأة لا يشهد جمعة ولا جماعة ، ويقول: أكره مزاحمة الأنذال .

            قال: محمد بن سعد : كان الحجاج بن أرطأة في أصحاب أبي جعفر ، فضمه إلى المهدي ، فلم يزل معه حتى توفي بالري والمهدي بها يومئذ في خلافة أبي جعفر .

            وكان ضعيفا في الحديث . عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، مولى أمية بن خالد . وكان يكنى أبا الوليد ، وأبا خالد .

            سمع من طاووس مسألة واحدة ، ومن مجاهد حرفين في القراءات . وسمع الكثير من عطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وابن المنكدر وغيرهم .

            روى عنه: الأوزاعي ، والثوري ، وابن المبارك ، وغيرهم .

            وكان ثقة ، يقال إنه أول من صنف الكتب ، وكان عطاء يقول: ابن جريج سيد شباب أهل الحجاز ، وقيل له: من نسأل بعدك؟ فقال: هذا الفتى إن عاش - يعني ابن جريج .

            وقال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج علمت أنه يخشى [الله] ، وما رأيت أحدا أحسن صلاة منه .

            وقال مالك: كان ابن جريج صاحب ليل .

            قال: عبد الرزاق : أهل مكة يقولون أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء ، وأخذها عطاء من أبي الزبير ، وأخذها أبو الزبير من أبي بكر ، وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم .

            قال عبد الرزاق: وكان ابن جريج حسن الصلاة .

            توفي في هذه السنة ، هكذا قال يحيى بن سعيد ، ومكي بن إبراهيم ، وخليفة بن خياط .

            وقال علي بن المديني: سنة إحدى وخمسين .

            وقال أحمد بن عبد الله العجلي سنة تسع وأربعين . عبد الملك بن سعيد بن أبجر المتطبب .

            أسند عن أبي الطفيل عامر بن وائلة ، وذر ، والشعبي ، وغيرهم . وكان شديد الورع ، خصوصا في نطقه ، وكان من البكاءين .

            عن عبد الملك بن أبجر قال: ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره - أو يبليه لينظر كيف صبره . عبد العزيز بن سليمان ، أبو محمد الراسبي .

            قال: محمد بن عبد العزيز بن سلمان : سمعت دهثما - وكان من العابدين - يقول: اليوم الذي كنت لا آتي فيه عبد العزيز أكون مغبونا ، وأبطأت عليه ذات يوم ثم أتيته فقال: ما الذي بطأ بك . قلت: خير . قال: على حال . قلت: شغلنا العيال ، كنت ألتمس لهم شيئا . [قال:] فوجدته لهم؟ قلت: لا . قال: هلم فلندع . قال: فدعا فأمنت ودعوت فأمن ، ثم نهضنا لنقوم ، فإذا والله الدنانير والدراهم تتناثر في حجورنا . فقال: دونكها . ومضى ولم يلتفت إلي . قال: فأخذتها ، فإذا [هي] مائة دينار ومائة درهم . قال محمد: فقلت له: ما صنعت بها؟ قال: احتبست قوت عيالي جمعة حتى لا يشغلني عن عبادته وشكره وخدمته فكر في شيء من عرض الدنيا . ثم أمضيتها والله في سبيل الله .

            وقال: واقد الصفار : دعا عبد العزيز بن سليمان يوما لمقعد كان في مجلسه وأمن إخوانه . قال: فوالله ما انصرف المقعد إلى أهله إلا ماشيا على رجليه .

            وقال: عبد العزيز بن عمير قال: قيل لعبد العزيز الراسبي - وكانت رابعة تسميه: سيد العابدين - ما بقي مما تلذ به؟

            قال: سرداب أخلو فيه .

            مقاتل بن سليمان بن بشر ، أبو الحسن البلخي .

            قدم بغداد فحدث بها عن عطية العوفي ، وسعيد المقبري والضحاك ، وعمرو بن شعيب ، وغيرهم .

            وجمع تفاسير الناس ، فجعلها لنفسه ، وكان يروي عن الضحاك ، وقد مات الضحاك قبل مولد مقاتل بأربع سنين .

            قال ابن عيينة: قلت له: لم تحدث عن الضحاك وقد زعموا أنك لم تسمع منه؟

            قال: كان يغلق علي وعليه الباب . قال ابن عيينة: قلت في نفسي: باب المدينة

            وكان أحمد بن سيار يقول: مقاتل متهم متروك الحديث ، كان يتكلم في الصفات بما لا يحل .

            وقال وكيع: كان مقاتل كذابا ، فلم نسمع منه .

            وقال أبو عبد الرحمن النسائي: مقاتل من المعروفين بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            وقال البخاري: مقاتل لا شيء البتة .

            وقال أبو حفص عمر بن علي: مقاتل كذاب متروك الحديث . وكذلك قال الساجي .

            توفي مقاتل في هذه السنة . مسعود الضرير ، أبو جهير البصري .  

            قال: صالح المري قال مالك بن دينار: اغد علي يا صالح إلى الجبان فإني قد وعدت نفرا من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير . فسلم عليه . قال صالح المري: وكان أبو جهير هذا رجلا قد انقطع إلى زاوية يتعبد فيها ، ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم جمعة في وقت الصلاة ، ثم يرجع من ساعته . قال: فغدوت إلى موعد مالك إلى الجبان ، فانتهيت إلى مالك وقد سبقني ومعه محمد بن واسع ، وإذا ثابت البناني وحبيب ، فلما رأيتهم قد اجتمعوا قلت: هذا والله يوم سرور . قال: فانطلقنا نريد أبا جهير . قال: فكان مالك إذا مر بموضع نظيف قال: يا ثابت صل ها هنا ، لعله يشهد لك غدا . قال: فكان ثابت يصلي ، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا موضعه فسألنا عنه ، فقالوا: الآن يخرج إلى الصلاة . قال: فانتظرنا فخرج علينا رجل إن شئت قلت: قد نشر من قبره . قال: فوثب رجل فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد ، فأمهل يسيرا ، ثم دخل المسجد فصلى ما شاء الله ، ثم أقام الصلاة فصلينا معه ، فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم فتوافد القوم في السلام عليه ، فتقدم محمد بن واسع ، فسلم عليه ، فرد عليه السلام وقال: من أنت؟ لا أعرف صوتك . قال: أنا من أهل البصرة .

            قال: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن واسع . قال: مرحبا وأهلا ، أنت الذي يقول هؤلاء القوم – وأومأ بيده إلى البصرة - إنك أفضلهم ، لله أبوك إن قمت بشكر ذلك ، اجلس ، فجلس فقام ثابت البناني فسلم عليه ، فرد عليه ، وقال: من أنت يرحمك الله؟

            قال: أنا ثابت البناني . فقال: مرحبا بك يا ثابت ، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنك من أطراهم صلاة ، اجلس فقد كنت أتمناك على ربي . فقام إليه حبيب أبو محمد ، فسلم عليه ، فرد السلام وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا حبيب ، أبو محمد . فقال: مرحبا بك يا أبا محمد ، أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئا إلا أعطاك ، ألا سألته أن يخفي لك ذلك ، اجلس يرحمك الله . قال: وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه .

            قال: فقام إليه مالك بن دينار فسلم عليه ، فرد عليه السلام وقال: من أنت رحمك الله؟

            قال: أنا مالك بن دينار . قال: بخ بخ أبو يحيى إن كنت كما يقولون ، أنت الذي يزعم هؤلاء أنك أزهدهم ، اجلس فالآن تمت أمنيتي على ربي في عاجل الدنيا . قال صالح: فقمت إليه لأسلم عليه ، فأقبل على القوم فقال: انظروا كيف تكونون غدا بين يدي الله في مجمع القيامة . قال: فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت يرحمك الله؟ قلت: صالح المري . قال: أنت الفتى الفارسي؟ أنت أبو معشر؟ قلت: نعم . قال: فاقرأ يا صالح . فابتدأت فقرأت ، فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشيا عليه ، ثم أفاق فقال: عد في قراءتك . قال صالح: فعدت فقرأت: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا . قال: فصاح صيحة ثم انكب لوجهه ، وانكشف بعض جسده ، فجعل يخور كما يخور الثور ، ثم هدأ فدنونا منه ننظر ، فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبة ، فخرجنا فسألنا: هل له أحد؟ قيل: عجوز تخدمه ، تأتيه الأيام ، فبعثنا إليها ، فجاءت فقالت: ما له؟ قلنا: قرئ عليه القرآن فمات . قالت: حق له ، من ذا الذي قرأ عليه؟ لعله صالح المري القارئ؟ قلنا: نعم ، وما يدريك؟ من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أن كثيرا مما كنت أسمعه يقول: إن قرأ علي صالح قتلني . قلنا: فهو الذي قرأ عليه .

            قالت: هو الذي قتل حبيبي . فهنأناه ، ودفناه رحمه الله] . [ الوفيات ]

            وفي هذه السنة مات عمر بن ذر ، وقيل : مات عمر سنة خمس وخمسين ومائة ، وكان من الصالحين ، يقول بالإرجاء .

            وفي سنة خمسين مات عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج .

            وأبو جناب الكلبي ، وعثمان بن الأسود ، وسعيد بن أبي عروبة ، واسم أبي عروبة مهران مولى بني يشكر ، كنيته أبو النضر .

            ( يسار بالياء تحتها نقطتان ، وبالسين المهملة ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية