الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أبو دلامة الشاعر

            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            866 - زند - بالنون - بن الجون ، أبو دلامة الشاعر .  

            [قال المؤلف] : ومن قال: زيد [فقد] صحف ، وكان كوفيا أسود ، مولى لبني أسد ، وكان أبوه عبدا لرجل منهم يقال له: قصاقص فأعتقه ، أدرك آخر بني أمية - أعني أبا دلامة - لكن لم يكن له نباهة في أيامهم ونبغ في أيام بني العباس ، فانقطع إلى السفاح والمنصور والمهدي ، وكانوا يقدمونه ويفضلونه ويستطيبون نوادره ، ومدح المنصور ، وذكر قتل أبا مسلم فقال فيها:


            أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى عليك بما خوفتني الأسد الورد     أبا مسلم ما غير الله نعمة
            على عبده حتى يغيرها العبد

            وأنشدها المنصور في محفل من الناس فقال: له عشرة آلاف درهم ، فأمر له بها ، فلما خلا به قال له: أما والله لو تعديتها لقتلتك .

            وقد قيل إنه بقي إلى خلافة الرشيد ولا يثبت . وكان مطبوعا كثير النوادر .

            وعن أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد قال: سمعت ثعلبا يقول: لما ماتت حمادة بنت عيسى امرأة المنصور ، وقف المنصور والناس معه على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة ، فأقبل عليه المنصور فقال: يا أبا دلامة ما أعددت لهذا المصرع؟ قال: حمادة بنت عيسى يا أمير المؤمنين ، فأضحك القوم .

            عن الأصمعي يقول: أمر المنصور أبا دلامة بالخروج نحو عبد الله بن علي فقال له أبو دلامة: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تحضرني شيئا من عساكرك ، فإني شهدت تسعة عساكر انهزمت كلها ، وأخاف أن يكون عسكرك العاشر .

            فضحك منه وأعفاه .

            وعن العتابي قال: دخل أبو دلامة على المهدي فطلب كلبا فأعطاه ، ثم قائده فأعطاه ، ثم دابة ، ثم جارية تطبخ الصيد ، فأعطاه قال: من يعولها ، أقطعني ضيعة أعيش فيها وعيالي . قال: قد أقطعك أمير المؤمنين مائة جريب من العامر ، ومائة من الغامر قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت ، قال أبو دلامة: قد أقطعك أمير المؤمنين خمسمائة جريب من الغامر أرض بني أسد ، قال: فهل بقيت لك من حاجة ، قال: نعم . قال: تأذن لي أن أقبل يدك ، قال: ما إلى ذلك سبيل .

            قال: والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقدا منها .

            وعن محمد بن سلام قال: لقي روح بن حاتم بعض الحروب فقال لأبي دلامة - وقد دعاه رجل منهم إلى البراز - تقدم إليه ، قال: لست بصاحب قتال ، قال:

            لتفعلن ، قال: إني جائع فأطعمني ، فدفع إليه خبزا ولحما ، وتقدم فهم به الرجل فقال له أبو دلامة: اصبر يا هذا أي محارب تراني؟ ثم قال: أتعرفني؟ قال: لا ، قال: فهل أعرفك؟

            قال: لا ، قال: فما في الدنيا أحمق منا ودعاه للغداء فتغديا جميعا وافترقا ، فسأل روح عما فعل ، فحدث فضحك ، ودعا به ، وسأله عن القصة فقال:


            إني أعوذ بروح أن تقدمني     إلى القتال فيخزي بي بني أسد
            إن المهلب حب الموت ورثكم     ولا ورثت لحب الموت من أحد

            سفيان بن سعيد بن مسروق

            سفيان بن سعيد بن مسروق  ، أبو عبد الله الثوري .

            من أهل الكوفة ، ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك وسمع خلقا كثيرا وكان من كبار أئمة المسلمين ، لا يختلف في إمامته وأمانته وحفظه وعلمه وزهده .

            وعن يونس بن عبيد يقول: ما رأيت أفضل من سفيان الثوري ، فقال له: يا أبا عبد الله رأيت سعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وعطاء ، ومجاهدا وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول ، ما رأيت أفضل من سفيان الثوري .

            وعن عمرو بن علي قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما عاشرت في الناس رجلا أرق من سفيان الثوري ، وكنت أرمقه في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبا ينادي: النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات .

            وعن صالح بن أحمد العجلي قال: حدثني أبي قال:

            دخل سفيان على المهدي فقال السلام عليكم ، كيف أنتم . ثم جلس فقال: حج عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] فأنفق في حجته ستة عشر دينارا ، وأنت حججت ، فأنفقت في حجتك بيوت الأموال قال: فأي شيء تريد ، أكون مثلك؟ قال: فوق ما أنا فيه ودون ما أنت فيه . فقال وزيره أبو عبيد الله: يا أبا عبد الله ، قد كانت كتبك تأتينا فننفذها .

            قال: من هذا؟ قال: أبو عبيد الله وزيري . قال: احذره ، فإنه كذاب ، أنا كتبت إليك . ثم قام فقال له المهدي : إلى أين يا أبا عبد الله؟ قال: أعود ، وكان قد ترك نعله حين قام ، فعاد فأخذها ثم مضى ، فانتظره المهدي فلم يعد ، قال: وعدنا أن يعود فلم يعد ، قيل:

            إنه عاد لأخذ نعله فغضب . وقال: قد آمن الناس إلا سفيان الثوري ، ويونس بن فروة الزنديق ، فإنه لبطلب وإنه لفي المسجد الحرام ، فذهب فألقى نفسه بين النساء فجللنه ، قيل له: لم فعلت؟ قال: إنهن أرحم ثم خرج إلى البصرة ، فلم يزل بها حتى مات . فلما احتضر قال: ما أشد الغربة انظروا إلي هاهنا أحدا من أهل بلادي؟ فنظروا فإذا أفضل رجلين من أهل الكوفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر ، والحسن بن عياش أخو أبي بكر ، فأوصى إلى الحسن في تركته ، وأوصى إلى عبد الرحمن بالصلاة عليه .

            توفي بالبصرة في هذه السنة .

            المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر



            المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر   .

            مدح المهدي وله أشعار .

            عن محمد بن العباس قال: ذكر المؤمل بين يدي المبرد ، فقال: كانوا يقولون المؤمل البارد . فقال أبو العباس في شعره ذلك [ولكنه] شاعر ، قال: أنشدني له عبد الصمد بن المعدل:


            لا تغضبن على قوم تحبهم     فليس ينجيك من أحبابك الغضب
            ولا تخاصمهم يوما وإن ظلموا     إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا
            يا جائرين علينا في حكومتهم     والجور أعظم ما يؤتى ويرتكب
            لسنا إلى غيركم منكم نفر إذا     جرتم ولكن إليكم منكم الهرب

            قال المرزباني: وأخبرني الصولي قال: يقال إن المؤمل لما قال:


            شفى المؤمل يوم الحيرة النظر     ليت المؤمل لم يخلق له بصر

            عمي فرأى في منامه إنسانا يقول له: هذا ما تمنيت في شعرك .

            نصر بن مالك

            869 - نصر بن مالك صاحب الشرطة .

            توفي من فالج أصابه ، ودفن في مقابر بني هاشم ، وصلى عليه المهدي ، وولي الشرطة بعده حمزة بن مالك . إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي

            إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي . واسم أبي إسحاق: عمرو بن عبد الله الهمداني وسبيع الذي نسب إليه هو صعب بن معاوية بن كثير بن مالك ، وإسرائيل: يكنى أبا يوسف ، وهو كوفي .

            سمع جده أبا إسحاق ، وسماك بن حرب ، ومنصور بن المعتمر ، والأعمش .

            روى عنه: وكيع ، وابن مهدي ، وأبو نعيم . قال: يحيى ثقة ، وقال علي: هو ضعيف .

            توفي في هذه السنة . وقيل: سنة إحدى وستين . وقيل سنة ستين .

            وقيل توفي سنة أربع وستين .

            وفيها توفي زائدة بن قدامة ،  

            التالي السابق


            الخدمات العلمية