الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفيها خرج رجل يقال له : المقنع . بخراسان في قرية من قرى مرو ، وكان يقول بالتناسخ ، واتبعه على ضلالته خلق كثير ، فجهز له المهدي عدة من أمرائه ، وأنفذ إليه جيوشا كثيرة ، منهم معاذ بن مسلم أمير خراسان ، فكان من أمره وأمرهم ما سنذكره . ذكر تغير حال أبي عبيد الله  

            في هذه السنة تغيرت حال أبي عبيد الله وزير المهدي ، وقد ذكرنا فيما تقدم سبب اتصاله به أيام المنصور ، ومسيره معه إلى خراسان ، فحكى الفضل بن الربيع أن الموالي كانوا يقعون في أبي عبيد الله عند المهدي ويحرضونه عليه ، وكانت كتب أبي عبيد الله ترد على المنصور بما يفعل ، ويعرضها على الربيع ، ويكتب الكتب إلى المهدي بالوصاة به ، وترك القول فيه .

            ثم إن الربيع حج مع المنصور حين مات ، وفعل في بيعة المهدي ما ذكرناه ، فلما قدم جاء إلى باب أبي عبيد الله ، قبل المهدي ، وقبل أن يأتي أهله ، فقال له ابنه الفضل : تترك أمير المؤمنين ومنزلك وتأتيه ! قال : هو صاحب الرجل ، وينبغي أن نعامله غير ما كنا نعامله به ، ونترك ذكر نصرتنا له .

            فوقف على بابه من المغرب إلى أن صليت العشاء الآخرة ، ثم أذن له فدخل فلم يقم له وكان متكئا ، فلم يجلس ، ولا أقبل عليه ، وأراد الربيع أن يذكر له ما كان منه في أمر البيعة ، فقال : قد بلغنا أمركم ، فأوغر صدر الربيع ، فلما خرج من عنده . ( قال له ابنه الفضل : لقد بلغ فعل هذا بك ما فعل ، وكان الرأي أن لا تأتيه ، وحيث أتيته وحجبك أن تعود ، وحيث دخلت عليه فلم يقم لك أن تعود ) .

            فقال لابنه : أنت أحمق حيث تقول : كان ينبغي أن لا تجيء ، وحيث جئت وحجبت أن تعود ، ولما دخلت فلم يقم لك كان ينبغي أن تعود ، ولم يكن الصواب إلا ما عملته ، ولكن والله ، وأكد اليمين ، لأخلعن جاهي ، ولأنفقن مالي حتى أبلغ مكروهه .

            وسعى في أمره ، فلم يجد عليه طريقا لاحتياطه في أمر دينه وأعماله ، فأتاه من قبل ابنه محمد ، فلم يزل يحتال ويدس إلى المهدي ، ويتهمه ببعض حرمه ، وبأنه زنديق ، حتى استحكمت التهمة عند المهدي بابنه ، فأمر به فأحضر ، وأخرج أبوه ، ثم قال له : يا محمد ! اقرأ ، فلم يحسن يقرأ شيئا ، فقال لأبيه : ألم تعلمني أن ابنك يحفظ القرآن ؟ قال : بلى ولكنه فارقني منذ سنين ، وقد نسي .

            قال : فقم فتقرب إلى الله بدمه ، فقام ليقتل ولده فعثر فوقع ، فقال العباس بن محمد : إن رأيت أن يعفي الشيخ ، فافعل ، فأمر بابنه فضربت عنقه ، وقال له الربيع : يا أمير المؤمنين ! تقتل ابنه وتثق إليه ! لا ينبغي ذلك . فاستوحش منه ، وكان من أمره ما نذكره . ذكر عبور الصقلبي إلى الأندلس وقتله  

            وفي هذه السنة ، وقيل سنة ستين ، عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري ، المعروف بالصقلبي ، وإنما سمي به لطوله وزرقته وشقرته ، من إفريقية إلى الأندلس محاربا لهم ، ليدخلوا في الطاعة للدولة العباسية ، وكان عبوره في ساحل تدمير ، وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره ، ومحاربة عبد الرحمن الأموي ، والدعاء إلى طاعة المهدي .

            وكان سليمان ببرشلونة ، فلم يجبه ، فاغتاظ عليه ، وقصد بلده فيمن معه من البربر ، فهزمه سليمان ، فعاد الصقلبي إلى تدمير ، وسار عبد الرحمن الأموي نحوه في العدد والعدة ، وأحرق السفن تضييقا على الصقلبي في الهرب ، فقصد الصقلبي جبلا منيعا بناحية بلنسية .

            فبذل الأموي ألف دينار لمن أتاه برأسه ، فاغتاله رجل من البربر ، فقتله ، وحمل رأسه إلى عبد الرحمن ، فأعطاه ألف دينار ، وكان قتله سنة اثنتين وستين ومائة . ذكر عدة حوادث  

            وفيها ظفر نصر بن محمد بن الأشعث بعبد الله بن مروان بالشام ، فأخذه ، وقدم به على المهدي ، فحبسه في المطبق ، وجاء عمرو بن سهلة الأشعري ، فادعى أن عبد الله قتل أباه ، وحاكمه عند عافية القاضي ، فتوجه الحكم على عبد الله .

            فجاء عبد العزيز بن مسلم العقيلي إلى القاضي فقال : زعم عمرو بن سهلة أن عبد الله قتل أباه ، وكذب والله ، ما قتل أباه غيري ، أنا قتلته بأمر مروان ، وعبد الله بريء من دمه ، فترك عبد الله ، ولم يعرض المهدي لعبد العزيز ، لأنه قتله بأمر مروان .

            غزو ثمامة بن الوليد الصائفة

            وفيها غزا الصائفة ثمامة بن الوليد ، فنزل بدابق .

            وجاشت الروم مع ميخائيل في ثمانين ألفا ، فأتى عمق مرعش ، فقتل ، وسبى ، وغنم ، وأتى مرعش فحاصرها ، فقاتلهم ، فقتل من المسلمين عدة كثيرة . وكان عيسى بن علي مرابطا بحصن مرعش فانصرف الروم إلى جيحان ، وبلغ الخبر المهدي ، فعظم عليه ، وتجهز لغزو الروم ، على ما سنذكره سنة اثنتين وستين ومائة ، فلم يكن للمسلمين صائفة من أجل ذلك .

            بناء القصور بطرق مكة

            وفيها أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة ، أوسع من القصور التي بناها السفاح من القادسية إلى زبالة ، وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل منها ، وبتجديد الأميال والبرك ، وبحفر الركايا ، وولي ذلك يقطين بن موسى ، وأمر بالزيادة في مسجد البصرة ، وتقصير المنابر في البلاد ، وجعلها بمقدار منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم .

            توجيه الأمناء في جميع الآفاق

            وفيها أمر المهدي يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق ، ففعل فكان لا ينفذ المهدي كتابا إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى أمينه بإنفاذ ذلك .

            غزو البحر

            وفيها غزا الغمر بن العباس في البحر .

            تولية نصر الأشعث السند

            وفيها ولي نصر بن محمد بن الأشعث السند ، ثم عزل بعبد الملك بن شهاب ، فبقي عبد الملك ثمانية عشر يوما ثم عزل وأعيد نصر من الطريق .

            استقضى المهدي عافية القاضي مع ابن علاثة

            وفيها استقضى المهدي عافية القاضي مع ابن علاثة بالرصافة .

            عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة

            وفيها عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة ، واستعمل عليها عبد الصمد بن علي ، واستعمل عيسى بن لقمان على مصر ، ويزيد بن منصور على سواد الكوفة ، وحسان الشروي على الموصل ، وبسطام بن عمرو التغلبي على أذربيجان .

            وفاة نصر بن مالك

            وفيها توفي نصر بن مالك من فالج أصابه ، وولى المهدي بعده شرطته حمزة بن مالك ، وصرف أبان بن صدقة عن هارون الرشيد ، وجعل مع موسى الهادي ، وجعل مع هارون يحيى بن خالد بن برمك .

            عزل أبو ضمرة عن مصر

            وفيها عزل محمد بن سليمان أبو ضمرة عن مصر في ذي الحجة ، ووليها سلمة بن رجاء .

            من حج بالناس هذه السنة

            وحج بالناس موسى الهادي وهو ولي عهد .

            ( وكان عامل مكة والطائف واليمامة : جعفر بن سليمان ، وعامل اليمن : علي بن سليمان ) ، وكان على سواد الكوفة : يزيد بن منصور ، وعلى أحداثها : إسحاق بن منصور .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية