الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            هلاك الحكيم المقنع

            ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة

            فيها حصر المقنع الزنديق الذي كان قد نبغ بخراسان وقال بالتناسخ ،  واتبعه على جهالته وضلالته خلق من الطغام وسفهاء الأنام ، والسفلة من العوام ، ومنعوه من الجنود في ذلك العام ، فلما كان في هذه السنة لجأ إلى قلعة كش ، فحاصره سعيد الحرشي فألح عليه في الحصار ، فلما أحس بالغلبة تحسى سما وسم نساءه ، فماتوا جميعا ، عليهم لعائن الله . ودخل الجيش الإسلامي قلعته ، فاحتزوا رأسه ، وبعثوا به إلى المهدي ، وكان المهدي حين جاءه رأس المقنع بحلب .

            قال ابن خلكان : المقنع الخراساني قيل : اسمه عطاء . وقيل : حكيم . والأول أشهر ، وكان أولا قصارا ، ثم ادعى الربوبية ، مع أنه كان أعور قبيح المنظر ، وكان يتخذ له وجها من ذهب ، واتبعه على جهالته خلق كثير من الجهلة ، وكان يري الناس قمرا يرى من مسيرة شهرين ، ثم يغيب ، فعظم اعتقادهم فيه ، ومنعوه بالسلاح ، وكان يزعم - لعنه الله ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أن الله ظهر في صورة آدم ، ولهذا سجدت له الملائكة ، ثم في نوح ، ثم في الأنبياء واحدا واحدا ، ثم تحول إلى أبي مسلم الخراساني ، ثم تحول إليه ، ولما حاصره المسلمون في قلعته التي كان جددها بناحية كش مما وراء النهر ، ويقال لها : سنام . سقى نساءه وأهله سما ، وتحسى هو أيضا منه ، فماتوا كلهم - لعنهم الله أجمعين - واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله كلها .

            غزو بلاد الروم وتولية هارون على الجيش

            وفيها جهز المهدي البعوث من خراسان وغيرها من البلاد لغزو الروم ،  وأمر على الجميع ولده هارون الرشيد ، وخرج من بغداد مشيعا له ، فسار معه مراحل ، واستخلف على بغداد ولده موسى الهادي ، وكان في هذا الجيش الحسن بن قحطبة ، والربيع الحاجب ، وخالد بن برمك ، وهو مثل الوزير للرشيد ولي العهد ، ويحيى بن خالد ، وهو كاتبه وإليه النفقات . وما زال المهدي مع ولده مشيعا له حتى بلغ درب الروم عند جيحان ، وارتاد هناك المدينة المسماة بالمهدية في بلاد الروم ، ثم رجع إلى الشام ، وزار بيت المقدس ، فسار الرشيد إلى بلاد الروم في جحافل عظيمة ، ففتح الله عليهم فتوحات كثيرة ، وغنموا أموالا جزيلة جدا ، وكان لخالد بن برمك في ذلك أثر جميل لم يكن لغيره ، وبعثوا بالبشارة مع سليمان بن برمك إلى المهدي ، فأكرمه المهدي وأجزل عطاءه .

            تولية هارون الرشيد بلاد المغرب وأذربيجان وأرمينيا ومن حج بالناس هذه السنة

            وفيها ولى المهدي ولده هارون الرشيد بلاد المغرب وأذربيجان وأرمينية ،  وجعل على رسائله يحيى بن خالد بن برمك ، وولى وعزل جماعة من النواب .

            من حج بالناس هذه السنة

            وحج بالناس فيها علي ابن المهدي .

            عزل المهدي عمه عبد الصمد بن علي عن الجزيرة



            وفي مسير المهدي مع ابنه هارون عزل عبد الصمد بن علي عن الجزيرة وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي . وكان السبب أن المهدي سلك في سفرته هذه طريق الموصل وعلى الجزيرة عبد الصمد ، فلما بلغ أرض الجزيرة ولم يتلقه عبد الصمد ولا هيأ له ، ولا أصلح القناطر ، فاضطغن ذلك عليه ، فلما لقيه تجهمه وأظهر له جفاء فبعث إليه عبد الصمد بألطاف لم يرضها ، فردها وازداد عليه سخطا ، وأغلظ له ، فرد عليه عبد الصمد ، فأمر بحبسه وعزله عن الجزيرة ، ولم يزل في حبسه إلى أن رضي عنه .

            وأتي المهدي وهو بحلب بزنادقة فقتلهم وصلبهم وقطع كتبا كانت معهم ، ثم عرض بها جنده .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية