هلاك الحكيم المقنع
ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة
فيها واتبعه على جهالته وضلالته خلق من الطغام وسفهاء الأنام ، والسفلة من العوام ، ومنعوه من الجنود في ذلك العام ، فلما كان في هذه السنة لجأ إلى قلعة كش ، فحاصره سعيد الحرشي فألح عليه في الحصار ، فلما أحس بالغلبة تحسى سما وسم نساءه ، فماتوا جميعا ، عليهم لعائن الله . ودخل الجيش الإسلامي قلعته ، فاحتزوا رأسه ، وبعثوا به إلى المهدي ، وكان المهدي حين جاءه رأس المقنع بحلب . حصر المقنع الزنديق الذي كان قد نبغ بخراسان وقال بالتناسخ ،
قال ابن خلكان : المقنع الخراساني قيل : اسمه عطاء . وقيل : حكيم . والأول أشهر ، وكان أولا قصارا ، ثم ادعى الربوبية ، مع أنه كان أعور قبيح المنظر ، وكان يتخذ له وجها من ذهب ، واتبعه على جهالته خلق كثير من الجهلة ، وكان يري الناس قمرا يرى من مسيرة شهرين ، ثم يغيب ، فعظم اعتقادهم فيه ، ومنعوه بالسلاح ، وكان يزعم - لعنه الله ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أن الله ظهر في صورة آدم ، ولهذا سجدت له الملائكة ، ثم في نوح ، ثم في الأنبياء واحدا واحدا ، ثم تحول إلى أبي مسلم الخراساني ، ثم تحول إليه ، ولما حاصره المسلمون في قلعته التي كان جددها بناحية كش مما وراء النهر ، ويقال لها : سنام . سقى نساءه وأهله سما ، وتحسى هو أيضا منه ، فماتوا كلهم - لعنهم الله أجمعين - واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله كلها .
غزو بلاد الروم وتولية هارون على الجيش
وفيها وأمر على الجميع ولده هارون الرشيد ، وخرج من بغداد مشيعا له ، فسار معه مراحل ، واستخلف على بغداد ولده موسى الهادي ، وكان في هذا الجيش الحسن بن قحطبة ، والربيع الحاجب ، وخالد بن برمك ، وهو مثل الوزير للرشيد ولي العهد ، ويحيى بن خالد ، وهو كاتبه وإليه النفقات . وما زال المهدي مع ولده مشيعا له حتى بلغ درب الروم عند جيحان ، وارتاد هناك المدينة المسماة بالمهدية في بلاد الروم ، ثم رجع إلى الشام ، وزار بيت المقدس ، فسار الرشيد إلى بلاد الروم في جحافل عظيمة ، ففتح الله عليهم فتوحات كثيرة ، وغنموا أموالا جزيلة جدا ، وكان لخالد بن برمك في ذلك أثر جميل لم يكن لغيره ، وبعثوا بالبشارة مع سليمان بن برمك إلى المهدي ، فأكرمه المهدي وأجزل عطاءه . جهز المهدي البعوث من خراسان وغيرها من البلاد لغزو الروم ،
تولية هارون الرشيد بلاد المغرب وأذربيجان وأرمينيا ومن حج بالناس هذه السنة
وفيها وجعل على رسائله يحيى بن خالد بن برمك ، وولى وعزل جماعة من النواب . ولى المهدي ولده هارون الرشيد بلاد المغرب وأذربيجان وأرمينية ،
من حج بالناس هذه السنة
وحج بالناس فيها علي ابن المهدي .
عزل المهدي عمه عبد الصمد بن علي عن الجزيرة
وفي مسير المهدي مع ابنه هارون عزل عبد الصمد بن علي عن الجزيرة وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي . وكان السبب أن المهدي سلك في سفرته هذه طريق الموصل وعلى الجزيرة عبد الصمد ، فلما بلغ أرض الجزيرة ولم يتلقه عبد الصمد ولا هيأ له ، ولا أصلح القناطر ، فاضطغن ذلك عليه ، فلما لقيه تجهمه وأظهر له جفاء فبعث إليه عبد الصمد بألطاف لم يرضها ، فردها وازداد عليه سخطا ، وأغلظ له ، فرد عليه عبد الصمد ، فأمر بحبسه وعزله عن الجزيرة ، ولم يزل في حبسه إلى أن رضي عنه .
وأتي المهدي وهو بحلب بزنادقة فقتلهم وصلبهم وقطع كتبا كانت معهم ، ثم عرض بها جنده .