الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غزوة عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب

            ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة

            فمن الحوادث فيها:

            غزوة عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ،  فأقبل إليه بطريق في تسعين ألفا ، فعجز عنه عبد الكريم فانهزم ، فأراد المهدي ضرب عنقه فكلم فيه فحبسه .

            بناء المهدي بعيساباذ الكبرى

            وفيها: بنى المهدي بعيساباذ الكبرى قصرا من لبن إلى أن أسس قصره الذي بالآجر ، وكان تأسيسه إياه يوم الأربعاء في شهر ذي القعدة .

            عزل المهدي محمد بن سليمان عن أعماله

            وفيها: عزل المهدي محمد بن سليمان عن أعماله ووجه صالح بن داود على ما كان إلى محمد بن سليمان .

            عن مصعب قال: لما بنى المهدي عيساباذ نزل منزله بها ، فأمر أن يكتب له أبناء المهاجرين وأبناء الأنصار ، فكتبوا ودعا نقباءهم وجلس مجلسا عاما لهم ، ففرق فيهم ثلاثة آلاف ألف درهم ، فأغنى كل عائل ، وجبر كل كسير ، وفرج عن كل مكروب ، ثم قامت الخطباء فخطبت ، ودخل الشعراء فأنشدوا ففرق فيهم خمسمائة ألف درهم ، ثم دعا بغدائه ، وحضر خاصته وبطانته ، وأهل المراتب من قواده فطعموا فلم ينصرف واحد منهم إلا بحباء وكرامة ، فكثر الدعاء له في الطرقات والبوادي ، وقال الناس: هذا مفتاح الخير ، هذا مهدي هذه الأمة الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم . وقام في هذا اليوم مروان بن أبي حفصة فأنشده:


            ما يلمع البرق إلا حن مغترب كأنه من دواعي شوقه وصب     مجالس الأنس غيثا طل وابله
            علي من راحة المهدي ينسكب     شمسا فما أخطفتنا من مخايله
            سحابة صوبها الأوراق والذهب     صدقت يا خير مأمول ومعتمد
            ظني بأضعاف ما قد كنت أحتسب     أعطيت سبعين ألفا غير متبعها
            منا ولست بمنان بما تهب     قد لاح للناس بالمهدي نور هدى
            يضيء والصبح في الظلماء محتجب     خليفة طاهر الأثواب معتصم
            بالحق ليس له في غيره أدب



            شخص المهدي حين خرج إلى الحج

            وفيها: شخص المهدي حين أسس هذا القصر إلى الكوفة حاجا ، فأقام برصافة الكوفة أياما ثم خرج متوجها إلى الحج حتى انتهى إلى العقبة ، فعرف قلة الماء ، وأخذته حمى ، فرجع من العقبة ، وعطش الناس فغضب على يقطين لأنه كان صاحب المصانع ، فرجع المهدي وبعث أخاه صالح بن المنصور فحج بالناس .

            عزل عبد الله بن سليمان عن اليمن

            وفيها: عزل عبد الله بن سليمان عن اليمن عن سخطة ، ووجه من يستقبله ويفتش متاعه ويحصي ما معه ، ثم حبسه عند الربيع حين قدم حتى أقر من المال والجوهر والعنبر ، بما أقر به ، واستعمل مكانه منصور بن يزيد .

            وكان العامل على مكة والمدينة والطائف واليمامة جعفر بن سليمان ، وعلى اليمن منصور بن يزيد ، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها وكور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس صالح بن داود بن علي .

            وعلى خراسان المسيب بن زهير ، وعلى الموصل محمد بن الفضل ، وعلى قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن ، وعلى مصر إبراهيم بن صالح ، وعلى إفريقية يزيد بن خالد ، وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي ، وعلى الري خلف بن عبد الله مسير عبد الرحمن الأموي إلى سرقسطة

            وفيها سار عبد الرحمن الأموي إلى سرقسطة ، بعد أن كان قد سير إليها ثعلبة بن عبيد في عسكر كثيف ، وكان سليمان بن يقظان ، والحسين بن يحيى قد اجتمعا على خلع طاعة عبد الرحمن ، كما ذكرنا ، وهما بها ، فقاتلهما ثعلبة قتالا شديدا ، وفي بعض الأيام عاد إلى مخيمه ، فاغتنم سليمان غرته ، فخرج إليه ، وقبض عليه ، وأخذه ، وتفرق عسكره .

            واستدعى سليمان قارله ملك الإفرنج ، ووعده بتسليم البلد وثعلبة إليه ، فلما وصل إليه لم يصبح بيده غير ثعلبة ، فأخذه وعاد إلى بلاده ، وهو يظن أنه يأخذ به عظيم الفداء ، فأهمله عبد الرحمن مدة ، ثم وضع من طلبه من الفرنج ، فأطلقوه .

            فلما كان هذه السنة سار عبد الرحمن إلى سرقسطة ، وفرق أولاده في الجهات ليدفعوا كل مخالف ، ثم يجتمعون بسرقسطة ، فسبقهم عبد الرحمن إليها ، وكان الحسين بن يحيى قد قتل سليمان بن يقظان ، وانفرد بسرقسطة ، فوافاه عبد الرحمن على أثر ذلك ، فضيق على أهلها تضييقا شديدا .

            وأتاه أولاده من النواحي ، ومعهم كل من خالفهم ، وأخبروه عن طاعة غيرهم ، فرغب الحسين في الصلح ، وأذعن للطاعة ، فأجابه عبد الرحمن ، وصالحه ، وأخذ ابنه سعيدا رهينة ، ورجع عنه .

            وغزا بلاد الفرنج ، فدوخها ، ونهب وسبى وبلغ قلهرة ، وفتح مدينة فكيرة ، وهدم قلاع تلك الناحية ، وسار إلى بلاد البشكنس ، ونزل على حصن مثمين الأقرع ، فافتتحه ، ثم تقدم إلى ملدوثون بن أطلال ، وحصر قلعته ، وقصد الناس جبلها ، وقاتلوهم فيها ، فملكوها عنوة وخربها ثم رجع إلى قرطبة . وفيها ثارت فتنة بين بربر بلنسية وبربر شنت برية من الأندلس ، وجرى بينهم حروب كثيرة قتل فيها خلق كثير من الطائفتين ، وكانت وقائعهم مشهورة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية