الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            نقض الروم الصلح بينهم وبين هارون الرشيد

            ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة

            فمن الحوادث فيها:

            نقض الروم الصلح الذي جرى بينهم وبين هارون  وقد تقدم ذكره ، وكان بين أول الصلح وبين أول الغدر اثنان وثلاثون شهرا ، فوجه علي بن سليمان وهو يومئذ على الجزيرة وقيس بن يزيد بن المنذر بن البطال سرية في خيل إلى الروم فظفروا وغنموا .

            بعث المهدي سعيدا الحرشي إلى طبرستان

            وفيها: وجه المهدي سعيدا الحرشي إلى طبرستان في أربعين ألفا .

            قتل جماعة من الزنادقة ببغداد

            وفيها: قتل المهدي جماعة من الزنادقة ببغداد .

            تولية المهدي علي بن يقطين زمام الأزمة على عمر وابن برزيع

            وفيها: ولى المهدي علي بن يقطين زمام الأزمة على عمر وابن بزيع ، وكان عمر أول من عمل ديوان الزمام في خلافة المهدي ، وذلك: أنه جمعت له الدواوين ، ففكر فإذا هو لا يضبطها إلا بزمام يكون له على كل ديوان [فاتخذ دواوين الأزمة وولى كل ديوان] رجلا وكان واليه على ديوان الخراج إسماعيل بن صبيح ، ولم يكن لبني أمية دواوين أزمة .

            من حج بالناس هذه السنة



            وفيها حج بالناس علي بن المهدي الذي يقال له ابن ريطة ذكر الخوارج بالموصل

             وفيها خرج بأرض الموصل خارجي اسمه ياسين من بني تميم ، فخرج إليه عسكر الموصل ، فهزمهم ، وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة ، وكان يميل إلى مقالة صالح بن مسرح الخارجي ، فوجه إليه المهدي أبا هريرة بن فروخ القائد ، وهرثمة بن أعين مولى بني ضبة ، فحارباه ، فصبر لهما ، حتى قتل وعدة من أصحابه ، وانهزم الباقون . ذكر مخالفة أبي الأسود بالأندلس

             في هذه السنة ثار أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس ، وكان من حديثه : أنه كان في سجن عبد الرحمن بقرطبة من حين هرب أبوه ، وقتل أخوه عبد الرحمن ، على ما تقدم ، وحبس أبو الأسود ، وتعامى في الحبس ، فصار يحاكي العميان ، ولا يطرف عينه لشيء ، وبقي دهرا طويلا ، حتى صح عند الأمير عبد الرحمن الأموي ذلك .

            وكان في أقصى السجن سرداب يفضي إلى النهر الأعظم يخرج منه المسجونون فيقضون حوائجهم من غسل وغيره ، وكان الموكلون يهملون أبا الأسود لعماه ، فإذا رجع من النهر يقول : من يدل الأعمى على موضعه ؟

            وكان مولى له يحادثه على شاطئ النهر ، ولا ينكر عليه ، فواعده أن يأتيه بخيل يحمله عليها ، فخرج يوما ومولاه ينتظره ، فعبر النهر سباحة ، وركب الخيل ، ولحق بطليطلة ، فاجتمع له خلق كثير ، فرجع بهم إلى قتال عبد الرحمن الأموي ، فالتقيا على الوادي الأحمر بقسطلونة ، واشتد القتال ، ثم انهزم أبو الأسود ، وقتل من أصحابه أربعة آلاف سوى من تردى في النهر ، واتبعه الأموي يقتل من لحق ، حتى جاوز قلعة الرباح .

            ثم جمع ، وعاد إلى قتال الأموي ، في سنة تسع وستين ، فلما أحس بمقدمة الأموي انهزم أصحابه ، وهو معهم ، فأخذ عياله ، وقتل أكثر رجاله ، وبقي إلى سنة سبعين ، فهلك بقرية ( من أعمال طليطلة ) .

            وقام بعده أخوه قاسم ، وجمع جمعا ، فغزاه الأمير ، فجاء إليه بغير أمان فقتله . ذكر عدة حوادث

            وفيها هلك شيلون ملك جليقية ، فولوا مكانه أذفونش ، فوثب عليه مورقاط ، فقتله ، فاختل أمرهم ، فدخل عليهم نائب عبد الرحمن بطليطلة في عساكره ، فقتل ، وغنم ، وسبى ثم عاد سالما .

            ( وفيها توفي أبو القاسم بن واسول مقدم الخوارج الصفرية بسجلماسة فجاءة في صلاة العشاء الآخرة ، وكانت إمارته اثنتي عشرة سنة وشهرا ، وولي بعده ابنه إلياس ) . حادثة عجيبة



            وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة:

            عن أبو عمرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثم ولاه موسى أول ما استخلف - قال: فكتب في خبره .

            أن رجلا من أشراف أهل السند من آل المهلب بن أبي صفرة اشترى غلاما أسود وهو صغير ، فرباه وتبناه ، فلما اشتد الغلام هوي مولاته ، وراودها عن نفسها فأجابته ، فدخل مولاه يوما على غرة منه فإذا هو على بطن امرأته فعمد إليه فجب ذكره ، وتركه يتشحط في دمه ، ثم أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به ، فعالجه إلى أن أبل من علته ، فأقام بعد هذه الحادثة حينا يطلب غرة مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرا يكون فيه شفاء قلبه وكان لمولاه ابنان ، أحدهما طفل ، والآخر يافع ، فغاب الرجل عن منزله في بعض أموره ، فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما هناك وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب ، إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه ، فإذا بابنيه في شاهق والغلام ، فقال:

            ويلك يا فلان عرضت ابني للموت ، قال: أجل قد ترى موضعهما ، فوالله الذي تحلف به لئن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما . فقال: ويلك الله الله في وفي بني ، قال: دع عنك هذا ، فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها ، فجعل يكرر ذلك عليه ويأبى ، فذهب ليروم الصعود إليه فأهوى بهما ليرديهما من ذروة ذلك الشاهق ، فقال أبوهما: ويلك اصبر حتى أخرج مدية ، قال: افعل ما أردت ، فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره وهو يراه ، فلما علم أنه قد فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان ، وقال: هذا الذي فعلت ثأري ، وهذا زيادة فيه ، فأخذ الأسود وكتب بخبره ، فكتب موسى إلى صاحب السند بقتل الغلام ، وقال: ما سمعت بأعجب من هذا ، وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية