الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خلافة الرشيد بن المهدي   .

            وفي سنة سبعين ومائة من الهجرة النبوية بويع للرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة ليلة مات أخوه الهادي ، وذلك ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة ، وكان عمر الرشيد يومئذ ثنتين وعشرين سنة ، فبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك ، فأخرجه من السجن ، وقد كان الهادي عزم في تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد ، فأخرجه الرشيد ، وكان ابنه من الرضاعة ، وولاه حينئذ الوزارة ، وولى يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء ، وكان هو الذي قام خطيبا بين يديه حين أخذت البيعة له على المنبر بعيساباذ ، ويقال : إنه لما مات الهادي في الليل جاء يحيى بن خالد بن برمك إلى الرشيد فوجده نائما ، فقال له : قم يا أمير المؤمنين . فقال : كم تروعني ، ولو سمع بهذا الكلام هذا الرجل لكان ذلك أكبر ذنوبي عنده . فقال له يحيى : قد مات الرجل . فجلس هارون فقال : أشر علي . فجعل يذكر له ولايات الأقاليم لرجال يسميهم ، فيوليهم الرشيد ، فبينما هم كذلك إذ جاء آخر فقال : أبشر يا أمير المؤمنين فقد ولد لك الساعة غلام . فقال هو عبد الله ، وهو المأمون ثم أصبح فصلى على أخيه الهادي ، ودفنه بعيساباذ ، وحلف لا يصلي الظهر إلا ببغداد ، فلما فرغ من الجنازة أمر بضرب عنق أبي عصمة القائد لأنه كان مع جعفر ابن الهادي فزاحموا هارون على جسر ، فقال أبو عصمة : قف حتى يجوز ولي العهد . فقال الرشيد : السمع والطاعة للأمير . فجاز جعفر ووقف الرشيد ، فلما ولي أمر بقتل أبي عصمة ، ثم سار إلى بغداد فلما انتهى إلى جسر بغداد استدعى بالغواصين فقال : إني سقط مني هاهنا خاتم ، كان والدي المهدي قد اشتراه لي بمائة ألف ، فلما كان من أيام بعث ورائي الهادي يطلبه ، فألقيته إلى الرسول ، فسقط هاهنا . فغاصوا وراءه فوجدوه ، فسر به الرشيد سرورا كثيرا .

            تفويض الرشيد يحيى بن خالد أمر الرعية ولما ولى الرشيد يحيى بن خالد الوزارة قال له : قد فوضت إليك أمر الرعية ، وخلعت ذلك من عنقي ، وجعلته في عنقك ، فول من رأيت ، واعزل من رأيت . ففي ذلك يقول إبراهيم الموصلي :


            ألم تر أن الشمس كانت سقيمة فلما ولي هارون أشرق نورها     بيمن أمين الله هارون ذي الندى
            فهارون واليها ويحيى وزيرها

            وكانت الخيزران هي المشاورة في الأمور كلها ، لا يقطع يحيى بن خالد أمرا حتى يشاورها فيما يبرمه ويحله ويمضيه ويحكمه .

            وذكر الصولي: أنه كان يحيى يساير الرشيد يوما فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ، عطبت دابتي ، فقال: يعطى خمسمائة درهم ، فغمزه يحيى ، فلما نزل قال:

            يا أبة ، أومأت إلي بشيء وقت ما أمرت بالدراهم فما هو؟ فقال: مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه ، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف ، عشرة آلاف ألف ، قال: فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟ قال: تقول: نشتري له دابة ، يفعل به فعل نظرائه . ولما مات الهادي هجم خزيمة بن خازم تلك الليلة على جعفر بن الهادي فأخذه من فراشه ، وقال له : لتخلعنها أو لأضربن عنقك ، فأجاب إلى الخلع ، وركب من الغد خزيمة ، ، وأظهر جعفرا للناس فأشهدهم بالخلع ، وأحل الناس من بيعتهم ، فحظي بها خزيمة . وعن عمرو بن بحر قال:

            أجمع الرشيد ما لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء [وسرورا] ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة كان في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية ، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأشدهم تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصلي أوحد عصره ، وضاربه زلزل [ ، وزامره برصوما] ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ، وهي التي أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف ، ومن كبار قواده المعلى ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك ، وإليه ينسب نهر معلى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية