الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            أحمد بن محمد بن شبويه

            وتوفي في هذه السنة .

            أحمد بن محمد بن شبويه  مولى بديل بن ورقاء الخزاعي ، يكنى أبا الحسن .

            قدم مصر ، وكتب عنه ، وتوفي بطرسوس في هذه السنة .

            أبو إسحاق الكسائي الطبري

            إسماعيل بن سعيد ، أبو إسحاق الكسائي الطبري  ، يعرف بالشالنجي .

            يروي عن سفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعيسى بن يونس وغيرهم ، وكان [فقيها ] فاضلا ثقة .

            توفي في هذه السنة ، وقيل : السنة ست وأربعين ، [والله أعلم ] .

            أشناس التركي أبو جعفر

            أشناس التركي ، أبو جعفر   .

            كان من كبار الأمراء ، وقد ذكرنا له أفعالا كثيرة .

            إسحاق بن إسماعيل

            إسحاق بن إسماعيل ، أبو يعقوب الطالقاني .  

            سمع جرير بن عبد الحميد ، ومحمد بن فضيل ، ووكيعا ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم ، روى عنه : الحربي ، والبغوي .

            قال يحيى : هو صدوق ، وقال أبو داود والدارقطني : هو ثقة . قال البغوي : قطع الحديث قبل أن يموت بخمس سنين .

            وتوفي في هذه السنة ، وهو أول شيخ كتب عنه البغوي .

            الحسن بن عمر بن شقيق

            الحسن بن عمر بن شقيق بن أسماء الجرمي البصري   .

            كان يتجر إلى بلخ فعرف بالبلخي ، وقدم بغداد فحدث عن جعفر بن سليمان وغيره ، روى عنه : أبو حاتم الرازي ، وقال : صدوق ، توفي هذه السنة .

            أبو سفيان الحميري

            سعيد بن يحيى بن مهدي ، أبو سفيان الحميري   .

            من أهل واسط ، سمع حصين بن عبد الرحمن ، ومعمر بن راشد ، روى عنه ابن راهويه .

            أبو العباس الخزاعي

            توفي في هذه السنة .

            عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب ، أبو العباس الخزاعي   .

            كان المأمون قد ولاه الشام حربا وخراجا ، وكان أحد الأجواد ، فخرج من بغداد إليها ، وكان قد سوغه خراج مصر سنة ، فافتتحها وصعد المنبر ، فلم ينزل حتى أجاز بذلك كله وهو ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها ، وأقام بالشام حتى مات .

            وقال محلم بن أبي محلم الشاعر : عن أبيه قال : شخصت مع عبد الله بن طاهر إلى خراسان في الوقت الذي شخص فيه ، وكنت أعادله وأسامره ، فلما صرنا إلى الري مررنا بها سحرا ، فسمعت أصوات الأطيار من القماري وغيرها ، فقال لي عبد الله : لله در أبى كثير الهذلي حيث يقول :


            ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر وغصنك مياد ففيم تنوح

            ثم قال : يا أبا محلم ، هل يحضرك في هذا شيء ؟ فقلت : أصلح الله الأمير كبرت سني ، وفسد ذهني ، ولعل شيئا أن يحضرني ، ثم حضر شيء فقلت : أصلح الله الأمير ، قد حضر شيء ، هل تسمعه ؟ قال : هات . فقلت :


            أفي كل عام غربة وتروح     أما للنوى من ونية فنريح
            لقد طلح البين المشت ركائبي     فهل يبلغني البين وهو طليح
            وذكرني بالري نوح حمامة     فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
            على أنها ناحت ولم تذر دمعة     ونحت وأسراب الدموع سفوح
            وناحت وفرخاها بحيث تراهما     ومن دون أفراخي مهامه فيح
            عسى جود عبد الله أن يعكس النوى     فنلقي عصى التطواف وهي طريح

            [قال ] : فقال : يا غلام أنخ ، لا والله لا أجزت معي حافرا ولا خفا حتى ترجع إلى أفراخك ، كم الأبيات ؟ فقلت : ستة ، فقال : يا غلام أعطه ستين ألفا ، ومركبا وكسوة . وودعته وانصرفت .

            وقال أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن [أبي ] طاهر قال : حدثني أبي : أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك ، فلما نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق ، فكان يثبت كل ما يهدى إليه في قرطاس ، ويدفعه إلى خازن له ، فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان يعمله ، فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الذي أمر بإخراجه ويضعه في المحراب بين يديه لئلا ينساه وقت ركوبه في السحر ، فغلط الخازن ، فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه ، فوضعه في المحراب ، فلما صلى أحمد بن نهيك الفجر ، أخذ القرطاس من المحراب ، ووضعه في خفه ، فلما دخل على عبد الله بن طاهر وسأله عما تقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به ، فأخرج الدرج من خفه ، فدفعه إليه فقرأه عبد الله [بن طاهر ] من أوله إلى آخره ، وتأمله ، ثم أدرجه ودفعه إلى أحمد بن نهيك وقال : ليس هذا الذي أردت ، فلما نظر أحمد بن نهيك فيه أسقط في يديه ، فلما انصرف إلى مضربه وجه إليه عبد الله بن طاهر [يعلمه ] : أني قد وقفت على ما في القرطاس ، فوجدته سبعين ألف دينار ، واعلم أنه قد لزمتك مئونة عظيمة في خروجك ، ومعك زوار [وغيرهم ] وأنك محتاج إلى برهم ، وليس مقدار ما وصل إليك يفي بمئونتك ، وقد وجهت إليك بمائة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي ذكرتها .

            وعن أبي نصر محمد بن أحمد الملاحمي قال : سمعت عمرو بن إسحاق يقول : سمعت سهل بن مبشر يقول : لما رجع عبد الله بن طاهر من الشام ، صعد فوق سطح قصره ، فنظر إلى دخان يرتفع في جواره ، فقال : ما هذا [الدخان ؟ ] فقيل : لعل القوم يخبزون ، فقال : ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك ؟ ! ثم دعا حاجبه وقال : امض ومعك كاتب فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع . فمضى فأحصاهم ، فبلغ عددهم أربعة آلاف نفس ، فأمر لكل واحد منهم [كل يوم ] بمنوين خبزا ومنا لحم ، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم ، والكسوة في الشتاء مائة وخمسين [درهما ] وفي الصيف مائة درهم ، وكان ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد ، فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس .

            وقال : قال المأمون لعبد الله بن طاهر : أيما أطيب مجلسي أو منزلك ؟ قال : ما عدلت بك يا أمير المؤمنين [شيئا ] . فقال : ليس إلى هذا ذهبت ، إنما ذهبت إلى الموافقة في العيش واللذة ، قال : منزلي يا أمير المؤمنين ، قال : ولم ذلك ؟ قال : لأني هنالك مالك وأنا هنا مملوك .

            ويقول الحسين بن فهم : كان عبد الله بن طاهر لا يدخل خصيا داره ويقول :

            هم مع النساء رجال ، ومع الرجال نساء .

            توفي عبد الله بن طاهر بمرو ، وقيل : بنيسابور ، وقيل : بالشام من مرض أصابه في حلقه ، في ربيع الأول من هذه السنة ، وهو ابن ثمان وأربعين سنة [وأياما ] ، وكان قبل موته قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي ، وعمر رباطات خراسان ، ووقف بها الوقوف ، وأظهر الصدقات ، ووجه أموالا عظيمة إلى الحرمين ، وفك أسرى المسلمين من الترك ، وبلغ ما أنفقه على الأسرى ألفي ألف درهم ، [وخلف أموالا كثيرة ] ، وكان يوصف بالإنصاف .

            ولما ولي عبد الله خراسان استناب بنيسابور محمد بن حميد الطاهري ، فبنى دارا ، وخرج بحائطها في الطريق ، فلما قدمها عبد الله جمع الناس ، وسألهم عن سيرة محمد ، فسكتوا ، فقال بعض الحاضرين : سكوتهم يدل على سوء سيرته ، فعزله عنهم ، وأمره بهدم ما بنى في الطريق .

            وكان يقول : ينبغي أن يبذل العلم لأهله وغير أهله ، فإن العلم أمنع لنفسه من أن يصير إلى غير أهله .

            وكان يقول : سمن الكيس ، ونبل الذكر لا يجتمعان أبدا .

            وكان له جلساء منهم الفضل بن محمد بن منصور ، فاستحضرهم يوما ، فحضروا ، وتأخر الفضل ، ثم حضر ، فقال له : أبطأت عني ، فقال : كان عندي أصحاب حوائج ، وأردت دخول الحمام ، ( فأمره عبد الله بدخول حمامه ) ، وأحضر عبد الله الرقاع التي في حقه ، فوقع فيها كلها بالإجابة ، وأعادها ، ولم يعلم الفضل .

            وخرج من الحمام ، واشتغلوا يومهم ، وبكر أصحاب الرقاع إليه ، فاعتذر إليهم ، فقال بعضهم : أريد رقعتي ، فأخرجها ونظر فيها ، فرأى خط عبد الله فيها ، فنظر في الجميع ، فرأى خطه فيها ، فقال لأصحابه : خذوا رقاعكم ، فقد قضيت حاجاتكم ، واشكروا الأمير دوني ، فما كان لي فيها سبب .

            وكان عبد الله أديبا شاعرا ، فمن شعره :


            اسم من أهواه اسم حسن     فإذا صحفته فهو حسن
            فإذا أسقطت منه فاءه ،     كان نعتا لهواه المختزن
            فإذا أسقطت منه ياءه ،     صار فيه بعض أسباب الفتن
            فإذا أسقطت منه راءه ،     صار شيئا يعتري عند الوسن
            فإذا أسقطت منه طاءه ،     صار منه عيش سكان المدن
            فسروا هذا فلن يعرفه ،     غير من يسبح في بحر الفطن
            وهذا الاسم هو اسم طريف غلامه

            .

            وكان من أكثر الناس بذلا للمال مع علم ، ومعرفة ، وتجربة .

            وأكثر الشعراء في مراثيه ، فمن أحسن ما قيل فيه ، وفي ولاية ، أبيه طاهر ، قول أبي الغمر الطبري :


            فأيامك الأعياد صارت مآتما     وساعاتك الصعبات صارت خواشعا
            على أننا لم نعتقدك بطاهر     وإن كان خطبا يقلق القلب راتعا
            وما كنت إلا الشمس غابت وأطلعت     على إثرها بدرا على الناس طالعا
            ( وما كنت إلا الطود زال مكانه     وأثبت في مثواه ركنا مدافعا
            فلولا التقى قلنا تناسختما معا     بديعي معان يفضلان البدائعا
            وهي طويلة )

            . ومن جيد شعره :


            اغتفر زلتي لتحرز فضل الش     كر مني ولا يفوتك أجري
            لا تكلني إلى التوسل بالعذ     ر لعلي أن لا أقوم بعذري

            ومن شعره أيضا قوله :


            نحن قوم تليننا الحدق النج     ل على أننا نلين الحديدا
            طوع أيدي الظباء تقتادنا العي     ن ونقتاد بالطعان الأسودا
            نملك الصيد ثم تملكنا البي     ض المصونات أعينا وخدودا
            تتقي سخطنا الأسود ونخشى     سخط الخشف حين يبدي الصدودا
            فترانا يوم الكريهة أحرا     را وفي السلم للغواني عبيدا

            أبو الحسن الجوهري مولى بني هاشم

            علي بن الجعد بن عبيد ، أبو الحسن الجوهري ، مولى بني هاشم   .

            سمع سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وشعبة ، وابن أبي ذئب ، وغيرهم ، وكتب عنه : أحمد بن حنبل ، ويحيى ، والبخاري ، وأبو زرعة ، وإبراهيم الحربي ، وغيرهم ، والبغوي ، وكان ثقة .

            يقول أبي علي بن الجعد : لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر ، فناظرهم على متاع كان معهم ، ثم نهض المأمون لبعض حاجته ، ثم خرج فقام له كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد ، فإنه لم يقم ، فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ، ثم استخلاه ، فقال [له : ] يا شيخ ، ما منعك أن تقوم [لي ] كما قام أصحابك ؟ قال : أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : وما هو ؟ قال علي بن الجعد :

            سمعت المبارك بن فضالة يقول : سمعت الحسن يقول : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار" . قال : فأطرق [المأمون ] مفكرا في الحديث ، ثم رفع رأسه ، فقال : لا يشترى إلا من هذا الشيخ . قال : فاشترى منه ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار .

            قال المصنف : وكان أحمد قد نهى ابنه عبد الله أن يسمع من علي بن الجعد ، وذلك أنه بلغه [عنه ] أنه يتناول بعض الصحابة ، وأنه قال : من قال إن القرآن مخلوق لم أعنفه .

            توفي ابن الجعد في رجب هذه السنة ، وقيل : سنة ثلاث وقيل : سنة أربع ، وقد استكمل ستا وتسعين سنة ، ودفن بباب حرب .

            علي بن جعفر بن زياد الأحمر

            علي بن جعفر بن زياد الأحمر ، [أبو الحسن ] التميمي الكوفي   .

            قدم بغداد ، وحدث بها عن عبد الله بن إدريس ، وحفص بن غياث ، وأبي بكر بن عياش ، وروى عنه : محمد بن عبد الله المنادي ، وعبد الله بن أحمد ، وأبو حاتم الرازي ، وقال : كان ثقة صدوقا .

            محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة

            وتوفي في هذه السنة .

            محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة ، أبو عبد الله البصري .  

            سمع إسماعيل بن علية ، ومعتمر بن سليمان ، ويزيد بن زريع ، وغيرهم ، وحدث ببغداد فروى عنه : أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره ، وكان ثقة .

            توفي في ربيع الأول من هذه السنة ، وهو متوجه إلى طرسوس .

            محمد بن سعد بن منيع

            محمد بن سعد بن منيع ، أبو عبد الله مولى بني هاشم ، كاتب الواقدي   .

            سمع سفيان بن عيينة ، وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون ، وخلقا كثيرا ، وصنف كتاب "الطبقات" فذكر الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمانه ، وكان كثير العلم ، كثير الحديث ، كثير الرواية ، كثير الكتب ، من الثقات .

            وتوفي في هذه السنة ، ودفن في مقبرة باب الشام ، وهو ابن اثنتين وستين سنة .

            مرة بن عبد الواحد الكلاعي

            مرة بن عبد الواحد الكلاعي  ، ويعرف بعبد الأعلى ، وله اسمان ، ويكنى أبا يزيد .

            يروي عن ضمام بن إسماعيل ، توفي بالبرلس في هذه السنة . وممن توفي فيها :

            وسعيد بن محمد الجرمي رضي الله عنه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية