الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين

            ذكر ما فعله بغا بالأعراب  

            في هذه السنة قتل أهل المدينة من كان في حبس بغا من بني سليم وبني هلال .

            ( وكان سبب ذلك أن بغا لما حبس من أخذه من بني سليم وبني هلال ) بالمدينة ، وهم ألف وثلاثمائة ، وكان سار عن المدينة إلى بني مرة ، فنقبت الأسرى الحبس ليخرجوا ، فرأت امرأة النقب ، فصرخت بأهل المدينة ، فجاؤوا ، فوجدوهم قد قتلوا المتوكلين ، وأخذوا سلاحهم ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ( ومنعوهم الخروج ، وباتوا حول الدار ، فقاتلوهم ، فلما كان الغد قتلهم أهل المدينة ) ، وقتل سودان المدينة كل من لقوه بها من الأعراب ممن يريد الميرة ، فلما قدم بغا وعلم بقتلهم شق ذلك عليه .

            وقيل إن السجان كان قد ارتشى منهم ليفتح لهم الباب ، فعجلوا قبل ميعاده ، وكانوا يرتجزون :


            الموت خير للفتى من العار قد أخذ البواب ألف دينار

            وكان سبب غيبة بغا عنهم أن فزارة ومرة تغلبوا على فدك ، فلما قاربهم أرسل إليهم رجلا من قواده يعرض عليهم الأمان ، ويأتيه بأخبارهم ، فلما أتاهم الفزاري حذرهم سطوته ، فهربوا ، وخلوا فدك ، وقصدوا الشام .

            ( وأقام بغا بجنفا ، وهي قرية من حد عمل الشام ) مما يلي الحجاز ، نحوا من أربعين ليلة ، ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر [ به ] من بني مرة وفزارة .

            وفيها سار إلى بغا من بطون غطفان ، وفزارة ، وأشجع ، وثعلبة ، جماعة ، وكان أرسل إليهم ، فلما أتوه استحلفهم الأيمان المؤكدة أن لا يتخلفوا عنه متى دعاهم ، فحلفوا ، ثم سار إلى ضرية لطلب بني كلاب ، فأتاه منهم نحو من ثلاثة آلاف رجل ، فحبس من أهل الفساد نحوا من ألف رجل ، وخلى سائرهم ، ثم قدم بهم المدينة في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، فحبسهم ، ثم سار إلى مكة ، فحج ، ثم رجع إلى المدينة . ذكر عدة حوادث  

            في هذه السنة أراد الواثق الحج ، فوجه عمر بن فرج لإصلاح الطريق ، فرجع وأخبره بقلة الماء ، فبدا له .

            وفيها ولي جعفر بن دينار اليمن ، فسار في شعبان ، وحج في طريقه ، وكان معه أربعة آلاف فارس وألف راجل .

            نقبت اللصوص بيت المال الذي في دار العامة

            وفيها نقب اللصوص بيت المال الذي في دار العامة ، وأخذوا اثنين وأربعين ألف درهم وشيئا يسيرا من الدنانير ، ثم تتبعوا وأخذوا بعد ذلك .

            خروج محمد بن عمرو الخارجي

            وفيها خرج محمد بن عبد الله الخارجي الثعلبي في ثلاثة عشر رجلا في ديار ربيعة ، فخرج إليه غانم بن أبي مسلم بن حميد الطوسي ، وكان على حرب الموصل ، في مثل عدته ، فقتل من الخوارج أربعة ، وأخذ محمد بن عبد الله أسيرا ، فبعث به إلى سامرا فحبس .

            قدوم وصيف التركي

            وفيها قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان ، والجبال ، وفارس ، وكان قد سار في طلب الأكراد لأنهم كانوا قد أفسدوا بهذه النواحي ، وقدم معه بنحو من خمس مائة نفس فيهم غلمان صغار ، فحبسوا ، وأجيز وصيف بخمسة وسبعين ألف دينار وقلد سيفا .

            بعث جيش المسلمين إلى جليقية

            ( وفيها سار جيش للمسلمين إلى بلاد المشركين ، فقصدوا جليقية ، وقتلوا ، وأسروا ، وسبوا ، وغنموا ، ووصلوا إلى مدينة ليون ، فحصروها ، ورموها بالمجانيق ، فخاف أهلها ، فتركوها بما فيها ، وخرجوا هاربين ، فغنم المسلمون منهم ما أرادوا ، وخربوا الباقي ، ولم يقدروا على هدم سورها ، فتركوها ومضوا ، لأن عرضه سبع عشرة ذراعا ، وقد ثلموا فيه ثلما كثيرة ) .

            الفداء بين المسلمين والروم

            وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم  ، واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس ، على مسيرة يوم من طرسوس ، واشترى الواثق من ببغداذ وغيرها من الروم .

            وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم ، وأمره بحضور الفداء هو وخاقان الخادم ، وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين ، فمن قال : القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة ، فودي به ، وأعطي دينارا ، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم .

            فلما كان في عاشوراء سنة إحدى وثلاثين اجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر ، وأتت الروم ومن معهم من الأسرى ، وكان النهر بين الطائفتين ، فكان المسلمون يطلقون الأسير ، فيطلق الروم الأسير من المسلمين ، فيلتقيان في وسط النهر ، ويأتي هذا أصحابه ، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا ، وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوا ، حتى فرغوا .

            وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربع مائة وستين نفسا ، والنساء والصبيان ثماني مائة ، وأهل ذمة المسلمين مائة نفس .

            وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى ، وقيل بل كان عليه جسر .

            ولما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي شاتيا ، فأصاب الناس ثلج ومطر ، فمات منهم مائتا نفس ، وأسر نحوهم ، وغرق بالبدندون خلق كثير ، فوجد الواثق على أحمد ، وكان قد جاء إلى أحمد بطريق من الروم ، فقال وجوه الناس لأحمد : إن عسكرا فيه سبعة آلاف لا تتخوف عليه ، فإن ( كنت كذلك فواجه القوم واطرق بلادهم ، ففعل ، وغنم نحوا من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة وخرج ، فعزله الواثق ، واستعمل مكانه نصر بن حمزة الخزاعي في جمادى الأولى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية