ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين
ذكر ما فعله بغا بالأعراب
في هذه السنة قتل أهل المدينة من كان في حبس بغا من بني سليم وبني هلال .
( وكان سبب ذلك أن بغا لما حبس من أخذه من بني سليم وبني هلال ) بالمدينة ، وهم ألف وثلاثمائة ، وكان سار عن المدينة إلى بني مرة ، فنقبت الأسرى الحبس ليخرجوا ، فرأت امرأة النقب ، فصرخت بأهل المدينة ، فجاؤوا ، فوجدوهم قد قتلوا المتوكلين ، وأخذوا سلاحهم ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ( ومنعوهم الخروج ، وباتوا حول الدار ، فقاتلوهم ، فلما كان الغد قتلهم أهل المدينة ) ، وقتل سودان المدينة كل من لقوه بها من الأعراب ممن يريد الميرة ، فلما قدم بغا وعلم بقتلهم شق ذلك عليه .
وقيل إن السجان كان قد ارتشى منهم ليفتح لهم الباب ، فعجلوا قبل ميعاده ، وكانوا يرتجزون :
الموت خير للفتى من العار قد أخذ البواب ألف دينار
وكان سبب غيبة بغا عنهم أن فزارة ومرة تغلبوا على فدك ، فلما قاربهم أرسل إليهم رجلا من قواده يعرض عليهم الأمان ، ويأتيه بأخبارهم ، فلما أتاهم الفزاري حذرهم سطوته ، فهربوا ، وخلوا فدك ، وقصدوا الشام .( وأقام بغا بجنفا ، وهي قرية من حد عمل الشام ) مما يلي الحجاز ، نحوا من أربعين ليلة ، ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر [ به ] من بني مرة وفزارة .
وفيها سار إلى بغا من بطون غطفان ، وفزارة ، وأشجع ، وثعلبة ، جماعة ، وكان أرسل إليهم ، فلما أتوه استحلفهم الأيمان المؤكدة أن لا يتخلفوا عنه متى دعاهم ، فحلفوا ، ثم سار إلى ضرية لطلب بني كلاب ، فأتاه منهم نحو من ثلاثة آلاف رجل ، فحبس من أهل الفساد نحوا من ألف رجل ، وخلى سائرهم ، ثم قدم بهم المدينة في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، فحبسهم ، ثم سار إلى مكة ، فحج ، ثم رجع إلى المدينة . ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أراد الواثق الحج ، فوجه عمر بن فرج لإصلاح الطريق ، فرجع وأخبره بقلة الماء ، فبدا له .
وفيها ولي جعفر بن دينار اليمن ، فسار في شعبان ، وحج في طريقه ، وكان معه أربعة آلاف فارس وألف راجل .
نقبت اللصوص بيت المال الذي في دار العامة
وفيها نقب اللصوص بيت المال الذي في دار العامة ، وأخذوا اثنين وأربعين ألف درهم وشيئا يسيرا من الدنانير ، ثم تتبعوا وأخذوا بعد ذلك .
خروج محمد بن عمرو الخارجي
وفيها خرج محمد بن عبد الله الخارجي الثعلبي في ثلاثة عشر رجلا في ديار ربيعة ، فخرج إليه غانم بن أبي مسلم بن حميد الطوسي ، وكان على حرب الموصل ، في مثل عدته ، فقتل من الخوارج أربعة ، وأخذ محمد بن عبد الله أسيرا ، فبعث به إلى سامرا فحبس .
قدوم وصيف التركي
وفيها قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان ، والجبال ، وفارس ، وكان قد سار في طلب الأكراد لأنهم كانوا قد أفسدوا بهذه النواحي ، وقدم معه بنحو من خمس مائة نفس فيهم غلمان صغار ، فحبسوا ، وأجيز وصيف بخمسة وسبعين ألف دينار وقلد سيفا .
بعث جيش المسلمين إلى جليقية
( وفيها سار جيش للمسلمين إلى بلاد المشركين ، فقصدوا جليقية ، وقتلوا ، وأسروا ، وسبوا ، وغنموا ، ووصلوا إلى مدينة ليون ، فحصروها ، ورموها بالمجانيق ، فخاف أهلها ، فتركوها بما فيها ، وخرجوا هاربين ، فغنم المسلمون منهم ما أرادوا ، وخربوا الباقي ، ولم يقدروا على هدم سورها ، فتركوها ومضوا ، لأن عرضه سبع عشرة ذراعا ، وقد ثلموا فيه ثلما كثيرة ) .
الفداء بين المسلمين والروم
وفيها كان ، واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس ، على مسيرة يوم من طرسوس ، واشترى الواثق من ببغداذ وغيرها من الروم . الفداء بين المسلمين والروم
وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم ، وأمره بحضور الفداء هو وخاقان الخادم ، وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين ، فمن قال : القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة ، فودي به ، وأعطي دينارا ، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم .
فلما كان في عاشوراء سنة إحدى وثلاثين اجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر ، وأتت الروم ومن معهم من الأسرى ، وكان النهر بين الطائفتين ، فكان المسلمون يطلقون الأسير ، فيطلق الروم الأسير من المسلمين ، فيلتقيان في وسط النهر ، ويأتي هذا أصحابه ، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا ، وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوا ، حتى فرغوا .
وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربع مائة وستين نفسا ، والنساء والصبيان ثماني مائة ، وأهل ذمة المسلمين مائة نفس .
وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى ، وقيل بل كان عليه جسر .
ولما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي شاتيا ، فأصاب الناس ثلج ومطر ، فمات منهم مائتا نفس ، وأسر نحوهم ، وغرق بالبدندون خلق كثير ، فوجد الواثق على أحمد ، وكان قد جاء إلى أحمد بطريق من الروم ، فقال وجوه الناس لأحمد : إن عسكرا فيه سبعة آلاف لا تتخوف عليه ، فإن ( كنت كذلك فواجه القوم واطرق بلادهم ، ففعل ، وغنم نحوا من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة وخرج ، فعزله الواثق ، واستعمل مكانه نصر بن حمزة الخزاعي في جمادى الأولى .