الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

            ذكر الحرب مع بني نمير  

            في هذه السنة سار بغا الكبير إلى بني نمير ، فأوقع بهم .

            وكان سبب ذلك أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفى امتدح الواثق بقصيدة ، فدخل عليه ، وأنشده ، فأمر له بثلاثين ألف درهم ، فأخبر الواثق بإفساد بني نمير في الأرض ، وإغارتهم على اليمامة وما قرب منها ، وكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم وهو بالمدينة ، فسار نحو اليمامة ، فلقي من بني نمير جماعة بالريف فحاربهم ، فقتل منهم نيفا وخمسين رجلا ، ( وأسر أربعين رجلا ) .

            ثم سار حتى نزل مرأة ، وأرسل إليهم يدعوهم إلى السمع والطاعة ، فامتنعوا ، وسار بعضهم إلى نحو جبال السود ، وهي خلف اليمامة ، وبث بغا سراياه فيهم ، فأصابت منهم ، ثم سار بجماعة ممن معه ، وهم نحو ألف رجل ، سوى من تخلف في العسكر من الضعفاء والأتباع ، فلقيهم وقد جمعوا لهم وهم نحو ثلاثة آلاف بموضع يقال له : روضة الأمان ، على مرحلة من أضاخ ، فهزموا مقدمته ، وكشفوا ميسرته ، وقتلوا من أصحابه نحو مائة رجل وعشرين رجلا ، وعقروا من إبل عسكره نحو سبع مائة بعير ، ومائة دابة ، وانتهبوا الأثقال ، وبعض الأموال ، ثم أدركهم الليل ، وجعل بغا يدعوهم إلى الطاعة .

            فلما طلع الصبح ورأوا قلة من مع بغا عبأوا ، وجعلوا رجالتهم أمامهم ، ونعمهم ومواشيهم وراءهم ، وحملوا على بغا ، فهزموه ، حتى بلغ معسكره ، وأيقن من معه بالهلكة .

            وكان بغا قد أرسل من أصحابه مائتي فارس إلى طائفة منهم ، فبينا هو قد أشرف على العطب ، إذ وصل أصحابه إليه منصرفين من وجوههم ، فلما نظر بنو نمير ورأوهم قد أقبلوا من خلفهم ولوا هاربين ، وأسلموا رجالتهم ، وأموالهم ، فلم يفلت من الرجالة إلا اليسير ، وأما الفرسان فنجوا على خيلهم .

            وقيل : إن الهزيمة كانت على بغا مذ غدوة إلى انتصاف النهار ، ثم تشاغلوا بالنهب ، فرجع إلى بغا من كان انهزم من أصحابه ، فرجع بهم ، فهزم بني نمير ، وقتل فيهم من زوال الشمس إلى آخر وقت العصر زهاء ألف وخمس مائة راجل ، وأقام بموضع الواقعة ، فأرسل أمراء العرب يطلبون الأمان ، فأمنهم ، فأتوه ، فقيدهم ، وأخذهم معه إلى البصرة ، وكانت الواقعة في جمادى الآخرة .

            ثم قدم واجن الأشروسني على بغا في سبع مائة مقاتل ، مددا له ، فسيره بغا في آثارهم ، حتى بلغ تبالة من أعمال اليمن ، ورجع .

            وكان بغا قد كتب إلى صالح أمير المدينة ليوافيه ببغداذ ( بمن عنده من فزارة ، ومرة ، وثعلبة ، وكلاب ، ففعل ، فلقيه ببغداذ ) ، فسارا جميعا ، وقدم بغا سامرا بمن بقي معه منهم ، سوى من هرب ومات وقتل في الحروب ، فكانوا يزيدون على ألفي رجل من نمير ، وكلاب ، ومرة ، وفزارة ، وثعلبة ، وطيء . ذكر عدة حوادث  

            في هذه السنة أصاب الحجاج في العود عطش عظيم ، فبلغت الشربة عدة دنانير ، ومات منهم خلق كثير .

            ( وفيها غدر موسى بالأندلس ، وخالف على عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس ، بعد أن كان قد وافقه ، وأطاعه ، وسير إليه عبد الرحمن جيشا مع ابنه محمد .

            مجاعة شديدة بالأندلس

            وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة ، وقحط عظيم ، وكان ابتداؤه سنة اثنتين وثلاثين ، فهلك فيه خلق كثير من الآدميين والدواب ، ويبست الأشجار ، ولم يزرع الناس شيئا ، فخرج الناس هذه السنة يستسقون ، فسقوا ، وزرعوا ، وزال عن الناس القحط ) .

            تولية إبراهيم بن محمد بن مصعب

            وفيها ولي إبراهيم بن محمد بن مصعب بلاد فارس .

            غرق كثير من الموصل

            ( وفيها غرق كثير من الموصل [ وهلك ] فيها خلق  ، قيل : كانوا نحو مائة ألف إنسان ، وكان سبب ذلك أن المطر جاء بها عظيما لم يسمع بمثله ، بحيث أن بعض أهلها جعل سطلا عمقه ذراع في سعة ذراع ، فامتلأ ثلاث دفعات في نحو ساعة ، وزادت دجلة زيادة عظيمة ، فركب الماء الربض الأسفل ، وشاطئ نهر سوق الأربعاء ، فدخل كثيرا من الأسواق ، فقيل : إن أمير الموصل ، وهو غانم بن حميد الطوسي ، كفن ثلاثين ألفا ، وبقي تحت الهدم خلق كثير لم يحملوا سوى من حمله الماء ) .

            ترك أعشار سفن

            ( وفيها أمر الواثق بترك أعشار سفن البحر ) . [جاء السودان إلى البصرة ]

            [وفيها : جاء السودان إلى البصرة .

            [موت الواثق ]  

            وفيها : مات الواثق ، وبويع للمتوكل . وحج بالناس محمد بن داود . ( وفي سنة اثنين وثلاثين ) ومائتين حصر الفضل بن جعفر مدينة لنتيني  فأخبر الفضل أن أهل لنتيني كاتبوا البطريق الذي بصقلية ; لينصرهم ، فأجابهم ، وقال لهم : إن العلامة عند وصولي أن توقد النار ثلاث ليال على الجبل الفلاني ، فإذا رأيتم ذلك ، ففي اليوم الرابع أصل إليكم ، فنجتمع أنا وأنتم على المسلمين بغتة .

            فأرسل الفضل من أوقد النار على ذلك الجبل ثلاث ليال ، فلما رأى أهل لنتيني النار أخذوا في أمرهم ، وأعد الفضل ما ينبغي أن يستعد به وكمن الكمناء ، وأمر الذين يحاصرون المدينة أن ينهزموا إلى جهة الكمين ، فإذا خرج أهلها عليهم قاتلوهم ، فإذا جاوزوا الكمين عطفوا عليهم .

            فلما كان اليوم الرابع خرج أهل لنتيني ، وقاتلوا المسلمين وهم ينتظرون وصول البطريق ، فانهزم المسلمون ، واستجروا الروم حتى جاوزوا الكمين ، ولم يبق بالبلد أحد إلا خرج ، فلما جاوزوا الكمين عاد المسلمون عليهم ، وخرج الكمين من خلفهم ، ووضعوا فيهم السيف ، فلم ينج ( منهم ) إلا القليل ، فسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم ليسلموا المدينة ، فأجابهم المسلمون إلى ذلك وأمنوهم ، فسلموا المدينة .

            وفيها أقام المسلمون بمدينة طارنت من أرض أنكبردة وسكنوها .

            وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وصل عشر شلنديات من الروم ، فأرسوا بمرسى الطين ، وخرجوا ليغيروا ، فضلوا الطريق ، فرجعوا خائبين ، وركبوا البحر راجعين ، فغرق منها سبع قطع .

            وفي سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس ، وسلموا المدينة إلى المسلمين بما فيها ، فهدمها المسلمون ، وأخذوا منها ما أمكن حمله .

            وفي سنة خمس وثلاثين سار طائفة من المسلمين إلى مدينة قصريانه ، فغنموا وسلبوا وأحرقوا وقتلوا في أهلها .

            وكان الأمير على صقلية للمسلمين محمد بن عبد الله بن الأغلب ، فتوفي في رجب من سنة ست وثلاثين ومائتين ، فكان مقيما بمدينة بلرم لم يخرج منها ، وإنما كان يخرج الجيوش والسرايا فتفتح ، فتغنم ، فكانت إمارته عليها تسع عشرة سنة ، والله سبحانه أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية