باب خلافة المتوكل
اسمه ونسبه
واسمه : جعفر بن محمد بن هارون الرشيد ، ويكنى أبا الفضل ، وأمه أم ولد ، اسمها شجاع ، ولد سنة سبع ومائتين بفم الصلح ، ونزل سامراء ، وكان أسمر حسن العينين ، خفيف العارضين ، نحيفا إلى القصر ، ولا تعرف امرأة رأت ابنها خليفة وهو جد وله ثلاثة أولاد ولاة عهود إلا أم المتوكل ، وكان المتوكل جدا وما كمل له ثلاثون سنة .
وسلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم ابن خليفة : محمد بن الواثق ، وأحمد بن المعتصم ، وموسى بن المأمون ، وعبد الله بن الأمين ، وأبو أحمد بن الرشيد ، والعباس بن الهادي ، ومنصور بن المهدي ، والمنصور بن المتوكل .
ذكر بيعة المتوكل [وشيء من سيرته ]
قال ميمون عن جماعة سماهم ، أن الواثق لما مات اجتمع وصيف التركي ، وأحمد بن أبي دؤاد ، ومحمد بن عبد الملك ، وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير وعمر بن فرج ، فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق ، فأحضروه وهو غلام أمرد قصير ، فقال [أحمد ] بن أبي دؤاد : أما تتقون الله ، كيف
[تولون مثل ] هذا الخلافة ؟ فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه ، فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة ، وعممه بيده على الطويلة ، وقبل بين عينيه ، وقال : السلام عليكم يا أمير المؤمنين . ثم غسل الواثق ، وصلى عليه المتوكل ودفن .
قال ميمون : فحدثني سعيد الصغير قال : كان المتوكل قد رأى في منامه كأن سكرا سليمانيا قد نزل عليه من السماء مكتوب عليه : "جعفر المتوكل على الله" .
قال ميمون : فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك : نسميه المنتصر ، وخاض الناس في ذلك ، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رأى [في منامه ] فوجده موافقا ، فأمضى وكتب [به ] إلى الآفاق .
وفي رواية أخرى : أنهم بعد ذلك صاروا إلى دار العامة فبايعوا حين زالت الشمس يومئذ وذلك يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ، وكتب له بالبيعة محمد بن عبد الملك الزيات وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل ، وسنه إذ ذاك ستة وعشرون سنة .
وقال علي الجهم : وجه إلي أمير المؤمنين المتوكل ، فأتيته فقال لي : يا علي ، رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقمت إليه ، فقال لي : تقوم إلي وأنت خليفة ؟ فقلت له : أبشر يا أمير المؤمنين أما قيامك إليه فقيامك بالسنة ، وقد عدك من الخلفاء . فسر بذلك .
وقال أبو روق الهزاني : سمعت محمد بن خلف يقول : كان إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة يقول : الخلفاء ثلاثة ، أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا ، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية ، والمتوكل محا البدع [وأظهر السنة ] .
وقال أبي القاسم علي بن يحيى : أنه كانت عنده [كل ] نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل على [الله ] أربعة آلاف فراش قالا : فذهب عنا أن نسأله كم نوبة كانوا .
وقال أبو أحمد يحيى بن علي المنجم : حدثني أبي قال : خرجنا مع المتوكل إلى دمشق فلحقنا ضيقة بسبب المؤن والنفقات التي كانت تلزمنا ، قال : فبعثت إلى بختيشوع وكان [لي ] صديقا [أسأله ] أن يقرضني عشرين ألف درهم ، قال : فأقرضنيها ، فلما كان بعد يوم أو يومين دخلت مع الجلساء إلى المتوكل ، فلما جلسنا بين يديه قال : يا علي ، لك عندي ذنب وهو عظيم ، قلت : يا سيدي ، وما هو ، فإني لا أعرف لي ذنبا ولا جناية ؟ قال : بلى ، أضقت فاستقرضت من بختيشوع عشرين ألف درهم ، أفلا أعلمتني ؟ قلت : يا مولاي ، صلات أمير المؤمنين عندي متواترة ، وأرزاقه وأنزاله علي دارة ، فاستحييت مع ما قد أنعم الله به علينا من [هذا ] التفضل أن أسأله ، قال : ولم ؟ إياك أن تستحي في مسألتي أو الطلب مني ، وأن تعاود مثل ما كان منك ، ثم قال : مائة ألف درهم - بغير صروف - فأحضرت عشر بدر ، فقال : خذها واتسع بها .
وقال محرز الكاتب : اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأمر المتوكل الفتح أن يعوده ، فأتاه فقال : أمير المؤمنين يسأل عن علتك ، فقال عبيد الله :
عليل من مكانين من الأسقام والدين وفي هذين لي شغل
وحسبي شغل هذين
قال الأعثم : دخل علي بن الجهم على جعفر المتوكل وبيده درتان يقلبهما ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها :
وإذا مررت ببئر عروة فاسقني من مائها
بسر من رأى إمام عدل تغرف من بحره البحار
يرجى ويخشى لكل خطب كأنه جنة ونار
الملك فيه وفي بنيه ما اختلف الليل والنهار
يداه في الجود ضرتان عليه كلتاهما تغار
لم تأت منه اليمين شيئا إلا أتت مثلها اليسار
[قال المصنف ] : وقد رويت هذه الأبيات للبحتري في المتوكل .
قال أحمد بن يزيد المؤدب : سمعت الفتح بن خاقان يقول : دخلت يوما على المتوكل فرأيته مطرقا يتفكر فقلت له : ما هذا الكفر يا أمير المؤمنين ؟ فو الله ما على الأرض أطيب منك عيشا ولا أنعم أمنك بالا ، فقال : يا فتح ، أطيب عيشا مني رجل له دار واسعة ، وزوجة صالحة ، ومعيشة حاضرة ، لا يعرفنا فنؤذيه ، ولا يحتاج إلينا فنزدريه .