أبو عبد الله الرباطي
. أحمد بن سعيد ، أبو عبد الله الرباطي
من أهل مرو ، سمع وكيع بن الجراح ، وعبد الرزاق بن همام وخلقا [كثيرا ] .
روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين ، وكان ثقة فاضلا فهما عالما [من أهل السنة ] ، وتوفي في هذه السنة .
ويقول أحمد بن سعيد الرباطي : قدمت على أحمد بن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي ، فقلت : يا أبا عبد الله ، إنه يكتب عني بخراسان ، فإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي ، فقال لي : يا أحمد ، هل بد يوم القيامة [من أن يقال : أين عبد الله بن طاهر وأتباعه ؟ انظر أين تكون أنت منه ؟ قال :
قلت : يا أبا عبد الله ، إنما هو ولاني أمر الرباط لذلك دخلت فيه . قال : فجعل يكرر علي : يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال ] أين عبد الله [بن طاهر ] وأتباعه ؟
فانظر أين تكون أنت فيه .
إبراهيم بن العباس بن محمد
، أصله من خراسان . إبراهيم بن العباس بن محمد [بن صول ] ، مولى يزيد بن المهلب ، أبو إسحاق
روى عن علي بن موسى الرضا . وكان من أشعر الكتاب وأرقهم لسانا .
وكان صول جد أبيه وفيروز أخوين تركيين ملكين بجرجان يدينان بالمجوسية ، فلما دخل يزيد بن المهلب جرجان أمنهما ، فأسلم صول على يده ولم يزل معه .
وقال أحمد بن يحيى ثعلب : أنشدنا إبراهيم بن العباس الكاتب لنفسه :
كم قد تجرعت من حزن ومن غصص إذا تجدد حزن هون الماضي وكم غضبت فما باليتم غضبي
حتى رجعت بقلب ساخط راضي
تعلمت ألوان الرضى خوف عتبها وعلمها حبي لها كيف تغضب
ولي غير وجه قد عرفت طريقه ولكن بلا قلب إلى أين أذهب
أبو عبد الله المصري
. أحمد بن عيسى ، أبو عبد الله المصري
حدث عن المفضل بن فضالة ، ورشدين بن سعد ، وعبد الله بن وهب .
وكان يتجر إلى العراق فتجر إلى تستر ، فقيل له : التستري ، وسكن العراق ، وتوفي ببغداد [في هذه السنة ] .
حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة
. حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران ، أبو حفص
ولد سنة ست وستين ومائة ، وتوفي في شوال هذه السنة .
أبو عبد الله المحاسبي
. الحارث بن أسد ، أبو عبد الله المحاسبي
حدث عن يزيد بن هارون ، وله كتب في الزهد والمعاملة .
ويقول أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق : سمعت حارثا المحاسبي يقول : ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة :
حسن الوجه مع الصيانة ، وحسن الخلق مع الديانة ، وحسن الإخاء مع الأمانة .
يقول جعفر الخلدي في كتابه : سمعت الجنيد يقول ] : مات أبو الحارث المحاسبي يوم مات وأن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة ، وخلف مالا كثيرا ، وما أخذ منه حبة واحدة ، وقال : أهل ملتين لا يتوارثان ، وكان أبوه واقفيا .
قال المصنف : كان الإمام أحمد بن حنبل ينكر على الحارث المحاسبي خوضه في الكلام ، ويصد الناس عنه ، فهجره أحمد فاختفى في داره ببغداد ، ومات فيها ، ولم يصل عليه إلا أربعة نفر ، وتوفي في هذه السنة .
أبو بكر الربعي البصري
. عبد الصمد بن الفضل بن خالد ، أبو بكر الربعي البصري
يعرف بالمراوحي ، لأنه أول من أحدث عمل المراوح بمصر .
وحدث عن عبد الله بن وهب ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع .
وكان رجلا صالحا ، توفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة .
أبو عبد الملك العمي البصري
. [عقبة بن مكرم ، أبو عبد الملك العمي البصري
قدم بغداد ، وحدث بها عن غندر .
روى عنه : مسلم في صحيحه ، والبغوي ، وابن صاعد ، وكان ثقة ، توفي بالبصرة في هذه السنة ] .
أبو همام السكوني البغدادي
، كوفي الأصل . الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس ، أبو همام السكوني البغدادي
سمع علي بن مسهر ، وشريك بن عبد الله ، وعبد الله بن المبارك ، وغيرهم .
روى عنه : أبو حاتم الرازي ، وعباس الدوري ، والبغوي .
توفي في هذه السنة ببغداد .
ويقول أبا يحيى مستملي أبا همام : رأيت أبا همام في المنام وعلى رأسه قناديل معلقة فقلت : يا أبا همام ، بما نلت هذه القناديل ؟ قال : هذا بحديث الحوض ، وهذا بحديث الشفاعة ، وهذا بحديث كذا ، وهذا بحديث كذا .
أبو موسى البزاز المعروف بالحمال
. هارون بن عبد الله بن مروان ، أبو موسى البزاز ، المعروف بالحمال
سمع سفيان بن عيينة ، وسيار بن حاتم ، وروح بن عبادة وغيرهم .
روى عنه : مسلم بن الحجاج ، وإبراهيم الحربي ، والبغوي ، وابن صاعد ، وكان حافظا صدوقا .
ويقول هارون بن عبد الله الحمال :
جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدق الباب علي ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أنا أحمد ، فبادرت إليه فمساني ومسيته ، وقلت : حاجة يا أبا عبد الله ؟ قال : نعم ، شغلت اليوم قلبي ، قلت : بماذا يا أبا عبد الله ؟ قال : جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء ، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر ، لا تفعل ذلك مرة أخرى . إذا قعدت فاقعد مع الناس .
توفي هارون في شوال هذه السنة ، وقيل : سنة ثمان وأربعين ، ولا يصح .
أبو السري الدارمي الكوفي
. هناد بن السري ، أبو السري الدارمي الكوفي
سمع أبا الأحوص ، ووكيعا وخلقا كثيرا .
وقال أحمد بن سلمة : كان هناد بن السري كثير البكاء ، وكنت عنده ذات يوم في مسجده ، فلما فرغ من القراءة عاد إلى منزله فتوضأ وانصرف إلى المسجد ، وقام على رجليه فصلى إلى الزوال ، ثم رجع إلى منزله فتوضأ وانصرف إلى المسجد ، فصلى بنا الظهر ، ثم قام على رجليه يصلي إلى العصر يرفع صوته بالقرآن ويبكي كثيرا ويصلي إلى العصر ، ثم صلى [بنا ] العصر ، وجاء إلى المسجد فجعل يقرأ القرآن إلى الليل ، فصليت معه صلاة المغرب ، وقلت لبعض جيرانه : ما أصبره على العبادة فقالوا : هذه عبادته بالنهار منذ سبعين عاما ، فكيف لو رأيت عبادته بالليل ؟ ! وما تزوج قط ، ولا تسرى [قط ] ، وكان يقال له : عابد الكوفة .
وقال البخاري : مات هناد [بن السري ] يوم الأربعاء آخر يوم من [شهر ] ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ومائتين .
يعقوب بن إسحاق السكيت
. يعقوب بن إسحاق السكيت ، أبو يوسف النحوي اللغوي
صاحب كتاب "إصلاح المنطق" ، وأبوه هو المعروف بالسكيت .
كان من أهل الفضل والدين والثقة ، وكان يؤدب الصبيان في أول أمره ، ثم ترقى إلى أن صار يؤدب ولد المتوكل على الله .
وروى عن أبي عمرو الشيباني ، وحدث عنه : أبو سعيد السكري .
وكان المبرد يقول : ما رأيت للبغداديين كتابا أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت في المنطق .
وقال أبو الحسن الطوسي : كنا في مجلس اللحياني . فقال يوما : تقول العرب "مثقل استعان بذقنه" [يريدون الجمل ] ، فقام إليه ابن السكيت ، - وهو حدث - فقال : يا أبا الحسين إنما هو تقول العرب : "مثقل استعان بدفيه" ، يريدون الجمل إذا نهض بالحمل [استعان بجنبيه ] ، فقطع الإملاء ، فلما كان في المجلس الثاني أملى فقال :
تقول العرب "هو جاري مكاشري" ، فقام إليه ابن السكيت فقال : أعزك الله ، وما معنى مكاشري ؟ إنما هو مكاسري ، كسر بيتي إلى كسر بيته . قال : فقطع اللحياني الإملاء ، فما أملى بعد ذلك شيئا .
توفي يعقوب [بن السكيت ] في رجب هذه السنة ، وقيل : في سنة أربع .
وقيل : سنة ست وأربعين ومائتين ، وقد بلغ ثمانيا وخمسين .
هذان البيتان لابن السكيت :
ومن الناس من يحبك حبا ظاهر الحب ليس بالتقصير
فإذا ما سألته عشر فلس ألحق الحب باللطيف الخبير
، من ولد أكثم بن صيفي ، يكنى أبا محمد . يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي
سمع عبد الله بن المبارك ، والفضل بن موسى الشيباني ، وجرير بن عبد الحميد ، وابن إدريس ، وابن عيينة ، والدراوردي ، وعيسى بن يونس ، ووكيع بن الجراح في آخرين .
وروى عنه : علي بن المديني ، والبخاري وغيرهما . وكان عالما بالفقه بصيرا بالأحكام ، ذا فنون من العلوم ، فعرف المأمون فضله ، فلم يتقدمه عنده أحد ، فولاه القضاء ببغداد ، وقلده قضاء [القضاة ] وتدبير أهل مملكته ، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئا إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم [لا يعلم أحد غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم ] وابن أبي دؤاد . قال علي بن المديني : خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجر . فقال أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد ، وجالس ضمرة أبا سعيد الخدري ، وجالست عمرو بن دينار ، وجالس جابر بن عبد الله ، وجالست عبد الله بن دينار ، وجالس ابن عمر ، وجالست الزهري ، وجالس أنس بن مالك . وعدد جماعة ، ثم أنا أجالسكم ! فقال له حدث في المجلس : أتتصف يا أبا محمد ؟ قال : إن شاء الله . قال له : والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بك أشد شقاء منك بنا ، فأطرق ، وتمثل بشعر أبي نواس :
خل جنبيك لزام وامض عنه بسلام
مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام
وذكر أبو علي عيسى بن محمد الطوماري : أنه سمع أبا حازم ، القاضي يقول : سمعت أبي يقول : ولي يحيى بن أكثم القاضي البصرة وسنه عشرون [سنة ] أو نحوها - قال : فاستصغره أهل البصرة ، فقال له أحدهم : كم سن القاضي ؟ قال : فعلم أنه قد استصغره ، فقال له : أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاضيا على مكة يوم الفتح ، وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاضيا على أهل اليمن ، وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة .
قال : وبقي سنة لا يقبل بها شاهدا ، قال : فتقدم إليه أبي ، [وكان أحد الأمناء ] ، وقال له : أيها القاضي ، قد وقفت الأمور وتريثت ، قال : وما السبب في ذلك ؟ قال : في ترك القاضي قبول الشهود ، قال : فأجاز في ذلك اليوم شهادة سبعين شاهدا .
وقال محمد بن منصور - واللفظ لأبي العيناء - قال : كنا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال لنا يحيى بن أكثم : بكرا غدا عليه ، فإن رأيتما للقول وجها فقولا ، وإلا فأمسكا إلى أن أدخل . قال : فدخلنا إليه وهو يستاك - وهو مغتاظ - ويقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى عنهما ، ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فأمسكنا وجاء يحيى ، فجلس وجلسنا ، فقال المأمون ليحيى : ما لي أراك متغيرا ؟ قال : هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام ، قال : وما حدث في الإسلام ؟ قال النداء بتحليل الزنا ، قال : الزنا ؟ قال : نعم ، المتعة زنا ، قال : ومن أين قلت هذا ؟ قال : من كتاب الله عز وجل ، وحديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . قال الله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون - 2 إلى قوله : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون - 7 .
يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين ؟ قال : لا ! قال : فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث ويلحق الولد [ولها شرائطها ؟ ] قال : لا : قال : فقد صار متجاوز هذين من العادين .
وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبيد الله والحسين ابني محمد ابن الحنفية عن أبيهما محمد بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها ، بعد أن كان أمر بها ، فالتفت إلينا المأمون ، قال : أتحفظون هذا من حديث الزهري ؟ فقلنا : نعم يا أمير المؤمنين ، رواه جماعة منهم مالك .
فقال : أستغفر الله ، نادوا بتحريم المتعة ، فنادوا بتحريمها .
قال الصولي : فسمعت إسماعيل بن إسحاق يقول - وقد ذكر يحيى بن أكثم - فعظم أمره وقال : كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله ، وذكر مثل هذا اليوم ، فقال له رجل : فما كان يقال ؟ قال : معاذ الله أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ وحاسد ، وكانت كتبه في الفقه أجل كتب ، فتركها الناس لطولها .
قال المصنف رحمه الله : لما استخلف المتوكل صير يحيى في مرتبة أحمد بن أبي دؤاد وخلع عليه خمس خلع ، ثم عزل بجعفر بن عبد الواحد ، وغضب عليه المتوكل ، فأمر بقبض أملاكه ، ثم دخل مدينة السلام ، وأمره بأن يلزم منزله .
وقال علي بن مسلم الكاتب : دخل على يحيى بن أكثم ابنا مسعدة - وكانا على نهاية من الجمال - فلما رآهما يمشيان في الصحن أنشأ يقول :
يا زائرينا من الخيام حياكما الله بالسلام
لم تأتياني وبي نهوض إلى حلال ولا حرام
يحزنني أن وقفتما بي وليس عندي سوى الكلام
قال أبو بكر بن الأنباري : وسمعت غير واحد من شيوخنا يحكي أن يحيى عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات التي أنشدها لما دخل [عليه ] ابنا مسعدة .
وقال أبو إسحاق الهجيمي : سمعت أبا العيناء يقول : تولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات على الأضراء فلم يعطهم شيئا فطالبوه وطالبوه ، فلم يعطهم ، فانصرفوا ، ثم اجتمعوا وطالبوه فلم يعطهم ، فلما انصرف من جامع الرصافة من مجلس القضاء سألوه وطالبوه فقال : [ليس ] لكم [عندي ولا ] عند أمير المؤمنين شيء فقالوا : إن وقفنا معك إلى غد [ألا ] تزيدنا على هذا القول ؟ قال : لا . فقالوا : لا تفعل يا أبا سعيد ! فقال : الحبس الحبس . فأمر بهم فحبسوا جميعا ، فلما كان الليل ضجوا ، فقال المأمون : ما هذا ؟ فقالوا الأضراء حبسهم يحيى بن أكثم . فقال : لم حبسهم ؟
فقالوا : كنوه فحبسهم فدعاه فقال له : [الأضراء ] حبستهم على أن كنوك ! فقال : [يا أمير المؤمنين ] لم أحبسهم على ذلك ، إنما حبستهم على التعريض ، قالوا لي يا أبا سعيد يعرضون بشيخ لائط في الخريبة .
وقال أبو العباس أحمد بن يعقوب : كان يحيى بن أكثم يحسد حسدا شديدا ، وكان مفتنا ، وكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث ، وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو ، وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ، ليقطعه ويخجله ، فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ ، فناظره فرآه مفتنا ، فقال له : نظرت في الحديث ؟
قال : نعم ! قال : فما تحفظ من الأصول ؟ قال : أحفظ [عن ] ، شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث : أن عليا رضي الله عنه رجم لوطيا ، فأمسك فلم يكلمه .
وقال أبو الحسن بن المقدام قال : استعدى ابن أبي عمار بن أبي ] الخصيب يحيى بن أكثم على ورثة أبيه ، وكان بارع الجمال ، فقال : أيها القاضي أعدني عليهم ، قال : فمن يعديني [أنا ] على عينيك ؟ قال : فهربت به أمه إلى بغداد ، فقال لها وقد تقدمت إليه : والله لا أنفذت لكم حكما أو ترديه فهو أولى بالمطالبة منك .
قال ابن المرزبان : كان زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى بن أكثم القاضي ، وكان جميلا متناهي [الجمال ، ] فقرص القاضي خده ، فخجل واستحيى ، فطرح القلم من يده ، فقال له يحيى : اكتب ما أملي عليك ، ثم قال :
أيا قمرا جمشته فتغضبا وأصبح لي من تيهه متجنبا
إذا كنت للتجميش والعشق كارها فكن أبدا يا سيدي متنقبا
ولا تظهر الأصداغ للناس فتنة وتجعل منها فوق خديك عقربا
فتقتل مشتاقا وتفتن ناسكا وتترك قاضي المسلمين معذبا
قاض يرى الحد في الزنا ولا يرى على من يلوط من بأس
أميرنا يرتشي وحاكمنا يلوط والرأس شر ما رأس
لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأمة وال من آل عباس
وقال أبو علي صالح بن محمد البغدادي : كان يحدث عن عبد الله بن إدريس أحاديث لم نسمعها .
وقال أبو الفتح الأزدي : روى عن الثقات عجائب لا يتابع عليها .
قال المصنف : كان يحيى بن أكثم قد خرج إلى مكة وعزم على المجاورة ، فبلغه أن المتوكل قد صلح قلبه له ، فرجع يريد العراق ، فلما وصل إلى الربذة توفي بها ، ودفن هناك في هذه السنة . وقيل : سنة اثنتين ، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة .
قال محمد بن عبد الرحمن الصيرفي : رأى جار لنا يحيى بن أكثم بعد موته في منامه ، فقال له : ما فعل الله بك ؟
فقال : وقفت بين يديه فقال لي سوءة لك يا شيخ ، فقلت : يا رب ، إن رسولك صلى الله عليه وآله وسلم قال : "إنك لتستحي من أبناء الثمانين أن تعذبهم" وأنا ابن ثمانين أسير الله في الأرض ، فقال لي : صدق رسولي ، قد عفوت عنك .
وقال محمد بن سلم الخواص : رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال لي : وقفني بين يديه وقال لي : يا شيخ السوء ، لولا شيبتك لأحرقنك بالنار ، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه ، فلما أفقت قال لي : يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقنك [بالنار ] ، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه ، فلما أفقت قال لي : يا شيخ السوء ، لولا شيبتك لأحرقنك بالنار ، فلما أفقت قلت : يا رب ، ما هكذا حدثت عنك ، فقال الله تعالى : وما حدثت عني - وهو أعلم بذلك - قلت :
عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ، عن جبريل عنك يا عظيم أنك قلت : "ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار" . فقال الله عز وجل : صدق عبد الرزاق ، وصدق معمر ، وصدق الزهري ، وصدق أنس ، وصدق نبيي ، وصدق جبريل ، وأنا قلت ذلك انطلقوا به إلى الجنة . وفيها توفي سهيد بن عيسى بن سهيد الأندلسي ، وكان من العلماء .
قال ابن جرير : وفيها فولي ديوان الضياع الحسن بن مخلد بن الجراح خليفة إبراهيم في شعبان . قلت : إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الصولي ، الشاعر الكاتب المشهور ، وهو عم محمد بن يحيى الصولي ، وكان جده صول ملك جرجان وكان أصله منها ثم تمجس ثم أسلم على يدي يزيد بن المهلب بن أبي صفرة . ولإبراهيم هذا ديوان شعر ذكره ابن خلكان واستجاد من شعره أشياء ; منها قوله : توفي إبراهيم بن العباس ،
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها مخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
كنت السواد لمقلتي فبكى عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
وكنت أخي بإخاء الزمان فلما نبا صرت حربا عوانا
وكنت أذم إليك الزمان فأصبحت منك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائبات فها أنا أطلب منك الأمانا
لا يمنعنك خفض العيش في دعة نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها أهلا بأهل وجيرانا بجيران
قال : ومات هاشم بن بنجور في ذي الحجة . وفيها توفي : ، وعبد الله بن معاوية الجمحي . ومحمد بن عمر العدني