دخول المتوكل دمشق
ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين
في هذه السنة في صفر ، وعزم على المقام بها ، ونقل دواوين الملك إليها ، وأمر بالبناء بها ، ثم استوبأ البلد ، وذلك بأن هواءه بارد ندي ، والماء ثقيل ، والريح تهب فيها مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضي عامة الليل ، وهي كثيرة البراغيث ، وغلت الأسعار ، وحال الثلج بين السابلة والميرة ، فرجع إلى سامرا . دخل المتوكل مدينة دمشق
وكان مقامه بدمشق شهرين وأياما ، فلما كان بها وجه بغا الكبير لغزو الروم ، فغزا الصائفة فافتتح صملة .
وفيها عقد المتوكل لأبي الساج على طريق مكة مكان جعفر بن دينار .
وقيل : عقد له سنة اثنتين وأربعين ، وهو الصواب .
حربة النبي صلى الله عليه وسلم تسمى العنزة
وفيها أتي المتوكل بحربة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ، تسمى العنزة ، فكانت للنجاشي ، فأهداها للزبير بن العوام ، وأهداها الزبير للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهي التي كانت تركز بين يدي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في العيدين ، فكان يحملها بين يديه صاحب الشرطة .
غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب
وفيها غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب ، وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين .
اتفاق عيد الأضحى مع عيد لليهود وللنصارى
وفيها اتفق عيد الأضحى والشعانين للنصارى ، وعيد الفطر لليهود ، في يوم واحد .
من حج بالناس هذه السنة
وحج بالناس فيها عبد الصمد بن موسى .
ذكر فتح قصريانه
في سنة أربع وأربعين ومائتين فتح المسلمون مدينة قصريانه ، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية ، وكان الملك قبلها يسكن سرقوسة ، فلما ملك المسلمون بعض الجزيرة تم نقل دار الملك إلى قصريانه ; لحصانتها .
وسبب فتحها أن العباس سار في جيوش المسلمين إلى مدينة قصريانه ، وسرقوسة ، وسير جيشا في البحر ، فلقيهم أربعون شلنديا للروم ، فاقتتلوا أشد قتال ، فانهزم الروم ، وأخذ منهم المسلمون عشر شلنديات برجالها ، وعاد العباس إلى مدينته .
فلما كان الشتاء سير سرية ، فبلغت قصريانه ، فنهبوا ، وخربوا ، وعادوا ومعهم رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة ، فأمر العباس بقتله ، فقال : استبقني ، ولك عندي نصيحة ! قال : وما هي ؟ قال : أملكك قصريانه ، والطريق في ذلك أن القوم في هذا الشتاء وهذه الثلوج آمنون من قصدكم إليهم ، فهم غير محترسين ، ترسل معي طائفة من عسكركم حتى أدخلكم المدينة .
فانتخب العباس ألفي فارس أنجاد ، أبطال ، وسار إلى أن قاربها ، وكمن هناك مستترا ، وسير عمه رباحا في شجعانهم ، فساروا مستخفين في الليل ، والرومي معهم مقيد بين يدي رباح ، فأراهم الموضع الذي ينبغي أن يملك منه ، فنصبوا السلاليم ، وصعدوا الجبل ، ثم وصلوا إلى سور المدينة ، قريبا من الصبح ، والحرس نيام ، فدخلوا من نحو باب صغير فيه ، يدخل منه الماء وتلقى فيه الأقذار ، فدخل المسلمون كلهم ، فوضعوا السيف في الروم ، وفتحوا الأبواب .
وجاء العباس في باقي العسكر ، فدخلوا المدينة وصلوا الصبح يوم الخميس منتصف شوال ، وبنى فيها في الحال مسجدا ، ونصب فيه منبرا ، وخطب فيه يوم الجمعة ، وقتل من وجد فيها من المقاتلة ، وأخذوا ما فيها من بنات البطارقة بحليهن ، وأبناء الملوك ، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه ، وذل الشرك يومئذ بصقلية ذلا عظيما .
ولما سمع الروم بذلك أرسل ملكهم بطريقا من القسطنطينية في ثلاثمائة شلندي وعسكر كثير ، فوصلوا إلى سرقوسة ، فخرج إليه العباس من المدينة ، ولقي الروم وقاتلهم ، فهزمهم ، فركبوا في مراكبهم هاربين ، وغنم المسلمون منهم مائة شلندي ، وكثر القتل فيهم ، ولم يصب من المسلمين ذلك اليوم غير ثلاثة نفر بالنشاب .