الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            دخول المتوكل دمشق



            ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين

            في هذه السنة دخل المتوكل مدينة دمشق  في صفر ، وعزم على المقام بها ، ونقل دواوين الملك إليها ، وأمر بالبناء بها ، ثم استوبأ البلد ، وذلك بأن هواءه بارد ندي ، والماء ثقيل ، والريح تهب فيها مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضي عامة الليل ، وهي كثيرة البراغيث ، وغلت الأسعار ، وحال الثلج بين السابلة والميرة ، فرجع إلى سامرا .

            وكان مقامه بدمشق شهرين وأياما ، فلما كان بها وجه بغا الكبير لغزو الروم ، فغزا الصائفة فافتتح صملة .

            وفيها عقد المتوكل لأبي الساج على طريق مكة مكان جعفر بن دينار .

            وقيل : عقد له سنة اثنتين وأربعين ، وهو الصواب .

            حربة النبي صلى الله عليه وسلم تسمى العنزة

            وفيها أتي المتوكل بحربة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ، تسمى العنزة ، فكانت للنجاشي ، فأهداها للزبير بن العوام ، وأهداها الزبير للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهي التي كانت تركز بين يدي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في العيدين ، فكان يحملها بين يديه صاحب الشرطة .

            غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب

            وفيها غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب ، وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين .

            اتفاق عيد الأضحى مع عيد لليهود وللنصارى

            وفيها اتفق عيد الأضحى والشعانين للنصارى ، وعيد الفطر لليهود ، في يوم واحد .

            من حج بالناس هذه السنة

            وحج بالناس فيها عبد الصمد بن موسى .

            ذكر فتح قصريانه  

            في سنة أربع وأربعين ومائتين فتح المسلمون مدينة قصريانه ، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية ، وكان الملك قبلها يسكن سرقوسة ، فلما ملك المسلمون بعض الجزيرة تم نقل دار الملك إلى قصريانه ; لحصانتها .

            وسبب فتحها أن العباس سار في جيوش المسلمين إلى مدينة قصريانه ، وسرقوسة ، وسير جيشا في البحر ، فلقيهم أربعون شلنديا للروم ، فاقتتلوا أشد قتال ، فانهزم الروم ، وأخذ منهم المسلمون عشر شلنديات برجالها ، وعاد العباس إلى مدينته .

            فلما كان الشتاء سير سرية ، فبلغت قصريانه ، فنهبوا ، وخربوا ، وعادوا ومعهم رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة ، فأمر العباس بقتله ، فقال : استبقني ، ولك عندي نصيحة ! قال : وما هي ؟ قال : أملكك قصريانه ، والطريق في ذلك أن القوم في هذا الشتاء وهذه الثلوج آمنون من قصدكم إليهم ، فهم غير محترسين ، ترسل معي طائفة من عسكركم حتى أدخلكم المدينة .

            فانتخب العباس ألفي فارس أنجاد ، أبطال ، وسار إلى أن قاربها ، وكمن هناك مستترا ، وسير عمه رباحا في شجعانهم ، فساروا مستخفين في الليل ، والرومي معهم مقيد بين يدي رباح ، فأراهم الموضع الذي ينبغي أن يملك منه ، فنصبوا السلاليم ، وصعدوا الجبل ، ثم وصلوا إلى سور المدينة ، قريبا من الصبح ، والحرس نيام ، فدخلوا من نحو باب صغير فيه ، يدخل منه الماء وتلقى فيه الأقذار ، فدخل المسلمون كلهم ، فوضعوا السيف في الروم ، وفتحوا الأبواب .

            وجاء العباس في باقي العسكر ، فدخلوا المدينة وصلوا الصبح يوم الخميس منتصف شوال ، وبنى فيها في الحال مسجدا ، ونصب فيه منبرا ، وخطب فيه يوم الجمعة ، وقتل من وجد فيها من المقاتلة ، وأخذوا ما فيها من بنات البطارقة بحليهن ، وأبناء الملوك ، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه ، وذل الشرك يومئذ بصقلية ذلا عظيما .

            ولما سمع الروم بذلك أرسل ملكهم بطريقا من القسطنطينية في ثلاثمائة شلندي وعسكر كثير ، فوصلوا إلى سرقوسة ، فخرج إليه العباس من المدينة ، ولقي الروم وقاتلهم ، فهزمهم ، فركبوا في مراكبهم هاربين ، وغنم المسلمون منهم مائة شلندي ، وكثر القتل فيهم ، ولم يصب من المسلمين ذلك اليوم غير ثلاثة نفر بالنشاب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية