الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين

            في هذه السنة أمر المتوكل ببناء الماخوزة  وسماها الجعفرية ، وأقطع القواد وأصحابه فيها ، وجد في بنائها ، وأنفق عليها فيما قيل : أكثر من ألفي ألف دينار ، وجمع فيها القراء ، فقرؤوا ، وحضرها أصحاب الملاهي ، فوهب أكثر من ألفي ألف درهم ، وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية ، وبنى فيها قصرا سماه لؤلؤة لم ير مثله في علوه ، وحفر لها نهرا يسقي ما حولها ، فقتل المتوكل ، فبطل حفر النهر ، وأخربت الجعفرية .

            زلزلزل بلاد المغرب والمدائن وأنطاكية وبلاد أخرى

            وفيها زلزلت بلاد المغرب ، فخربت الحصون ، والمنازل ، والقناطر ، ففرق المتوكل ثلاثة آلاف ألف درهم فيمن أصيب بمنزله .

            وزلزل عسكر المهدي ، والمدائن ، وزلزلت أنطاكية ، فقتل بها خلق كثير ، فسقط منها ألف وخمس مائة دار ، وسقط من سورها نيف وتسعون برجا ، وسمعوا أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها ، وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر .

            وهاج البحر ذلك اليوم ، وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن ، وغار منها نهر على فرسخ لا يدرى أين ذهب ، وسمع أهل سيس ، فيما قيل : صيحة دائمة هائلة ، فمات منها خلق كثير ، فتزلزلت ديار الجزيرة ، والثغور ، وطرسوس ، وأدنة ، وزلزلت الشام ، فلم يسلم من اللاذقية إلا اليسير ، وهلك أهل جبلة .

            وفيها غارت مشاش عين مكة ، فبلغ ثمن القربة درهما ، فبعث المتوكل مالا ، وأنفق عليها .

            وفيها أغارت الروم على سميساط ، فقتلوا ، وسبوا ، ( وأسروا خلقا كثيرا ) ، وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة .

            ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من الصعود إليها ، فبعث إليهم ملك الروم بطريقا ، يضمن لكل رجل منهم ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة ، فأصعدوا البطريق إليهم ، ثم أعطوا أرزاقهم الفائتة وما أرادوا ، فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور ، فسيره إلى المتوكل ، فبذل ملك الروم في فدائه ألف مسلم .

            من حج بالناس هذه السنة

            وحج بالناس محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام يعرف بالزينبي ، وهو والي مكة .

            وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأول ، ولسبع عشرة خلت من حزيران ، ولثمان وعشرين من أردبيهشت ، فقال البحتري :


            إن يوم النيروز عاد إلى العهد الذي سنه أردشير

            . ذكر خروج الكفار بالأندلس إلى بلاد الإسلام

            في هذه السنة خرج المجوس من بلاد الأندلس ، في مراكب ، إلى بلاد الإسلام ، فأمر محمد بن عبد الرحمن ، صاحب بلاد الإسلام ، بإخراج العساكر إلى قتالهم ، فوصلت مراكب المجوس إلى إشبيلية ، فحلت بالجزيرة ، ودخلت الحاضر إلى قتالهم ، وأحرقت المسجد الجامع ، ثم جازت إلى العدوة ، فحلت بناكور ، ثم عادت إلى الأندلس ، فانهزم أهل تدمير ، ودخلوا حصن أريوالة .

            ثم تقدموا إلى حائط إفرنجة ، وأغاروا ، وأصابوا من النهب والسبي كثيرا ، ثم انصرفوا ، فلقيتهم مراكب محمد ، فقاتلوهم ، فأحرقوا مركبين من مراكب الكفار ، وأخذوا مركبين آخرين ، فغنموا ما فيهما ، فحمي الكفرة عند ذلك ، وجدوا في القتال ، فاستشهد جماعة من المسلمين ، ومضت مراكب المجوس حتى وصلت إلى مدينة بنبلونة ، فأصابوا صاحبها غرسية الفرنجي ، فافتدى نفسه منهم بتسعين ألف دينار .

            وفيها غزا عامل طرسونة إلى بنبلونة ، فافتتح حصن بيلسان وسبى أهله ، ثم كانت على المسلمين في اليوم الثاني وقعة استشهد فيها جماعة .

            ذكر الحرب بين البربر وابن الأغلب بإفريقية  

            في هذه السنة كانت بين البربر وعسكر أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقعة عظيمة في جمادى الآخرة .

            وسببها أن بربر لهان امتنعوا على عامل طرابلس من أداء عشورهم وصدقاتهم ، وحاربوه ، فهزموه ، فقصد لبدة ، فحصنها ، وسار إلى طرابلس ، فسير إليه أحمد بن محمد الأمير جيشا مع أخيه زيادة الله ، فانهزم البربر ، وقتل منهم خلق كثير ، وسير زيادة الله الخيل في آثارهم ، فقتل من أدرك منهم ، وأسر جماعة ، فضربت أعناقهم ، وأحرق ما كان في عسكرهم ، فأذعن البربر بعدها ، وأعطوا الرهن ، وأدوا طاعتهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية