استهلت سنة ثنتين وخمسين ومائتين وقد استقرت الخلافة باسم أبي عبد الله المعتز محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، وقيل : إن اسم المعتز أحمد . وقيل : الزبير . وهو الذي عول عليه الحافظ ابن عساكر وترجمه في " تاريخه " . فلما وبايع للمعتز ، دعا الخطباء يوم الجمعة رابع المحرم من هذه السنة بجوامع بغداد على المنابر للخليفة المعتز بالله . وانتقل المستعين من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل هو وعياله وولده وجواريه ، ووكل بهم سعيد بن رجاء في جماعة معه ، وأخذ من المستعين البردة والقضيب والخاتم ، وبعث بذلك إلى المعتز ، ثم أرسل إليه المعتز يطلب منه خاتمين من جوهر ثمين بقيا عنده يقال لأحدهما : برج . وللآخر : جبل . فأرسلهما . وطلب المستعين أن يسير إلى مكة فلم يمكن ، فطلب البصرة فقيل له : إنها وبيئة . فقال : إن ترك الخلافة أوبأ منها . ثم أذن له في المسير إلى واسط فخرج ومعه حرس يوصلونه إليها نحو من أربعمائة . خلع المستعين - أحمد بن محمد المعتصم - نفسه من الخلافة
واستوزر المعتز أحمد بن أبي إسرائيل ، وخلع عليه ، وألبسه تاجا على رأسه . ولما تمهد أمر بغداد واستقرت البيعة للمعتز بها ، ودان له أهلها واجتمع شملها ، وقدمتها الميرة من كل جانب ، واتسع الناس في الأرزاق والأطعمة ، ركب أبو أحمد منها في يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم إلى سامرا ، وشيعه محمد بن عبد الله بن طاهر في وجوه القواد ، فخلع أبو أحمد على ابن طاهر خمس خلع وسيفا ، ورده من الروذبار .
وقد ذكر ابن جرير مدائح الشعراء في المعتز وتشفيهم بخلع المستعين ، فأكثر من ذلك جدا . فمن ذلك قول محمد بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان في مدح المعتز وذم المستعين كما جرت به عادة الشعراء :
إن الأمور إلى المعتز قد رجعت والمستعين إلى حالاته رجعا وكان يعلم أن الملك ليس له
وأنه لك لكن نفسه خدعا ومالك الملك مؤتيه ونازعه
آتاك ملكا ومنه الملك قد نزعا إن الخلافة كانت لا تلائمه
كانت كذات حليل زوجت متعا ما كان أقبح عند الناس بيعته
وكان أحسن قول الناس قد خلعا ليت السفين إلى قاف دفعن به
نفسي الفداء لملاح به دفعا كم ساس قبلك أمر الناس من ملك
لو كان حمل ما حملته ظلعا أمسى بك الناس بعد الضيق في سعة
والله يجعل بعد الضيق متسعا والله يدفع عنك السوء من ملك
فإنه بك عنا السوء قد دفعا
خلع الخليفة أحمد بن محمد وسيقتل التالي له أو يخلع
ويزول ملك بني أبيه ولا يرى أحد تملك منهم يستمتع
إيها بني العباس إن سبيلكم في قتل أعبدكم سبيل مهيع
رقعتم دنياكم فتمزقت بكم الحياة تمزقا لا يرقع
فكفه وصيف وقال : نحن في بيوتنا حتى يجيء من يقتلنا ! ورجعا إلى منزلهما ، وجمعا جندهما ، ووجه وصيف أخته سعاد إلى المؤيد ، وكان في حجرها ، فكلم المؤيد المعتز في الرضاء عنه ، فرضي عن وصيف ، وكتب إليه بذلك ، وتكلم أبو أحمد بن المتوكل في بغا ، فكتب إليه بالرضاء عنه ، وهما ببغداذ ، ثم تكلم الأتراك بإحضارهما إلى سامرا ، فكتب إليهما بذلك ، وكتب إلى محمد ليمنعهما من ذلك ، فأتاهما كتاب إحضارهما ، فأرسلاه إلى محمد بن عبد الله يستأذنانه ، وخرج وصيف وبغا وفرسانهما وأولادهما في نحو أربع مائة إنسان ، وخلفا الثقل والعيال ، فوجه ابن طاهر إلى باب الشماسية من يمنعهم ، فمضوا إلى باب خراسان ، وخرجوا منه ، ووصلا سامرا ، ورجعا إلى منزلهما من الخدمة ، وخلع عليهما ، وعقد لهما على أعمالهما ، ورد البريد إلى موسى بن بغا الكبير . وفي رجب من هذه السنة خلع المعتز أخاه إبراهيم الملقب بالمؤيد من ولاية العهد وحبسه ، وأخاه أبا أحمد ، وكان سببه أن العلاء بن أحمد ، عامل أرمينية ، بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار ليصلح بها أمره ، فبعث عيسى بن فرخانشاه إليها ، فأخذها ، فأغرى المؤيد الأتراك بعيسى ، وخافهم المغاربة ، فبعث المعتز إلى المؤيد وأبي أحمد ، فأخذهما وحبسهما ، وقيد العطاء للأتراك والمغاربة . خلع المؤيد وموته
وقيل : إنه ضربه أربعين مقرعة ، وخلعه بسامرا ولما كان يوم الجمعة سابعه خطب بخلعه ، وأمره أن يكتب كتابا على نفسه بذلك . وكانت وفاته بعد ذلك بخمسة عشر يوما وكان سبب موته أن امرأة من نساء الأتراك أعلمت محمد بن راشد أن الأتراك يريدون إخراج المؤيد من الحبس ، فأنهى ذلك إلى المعتز ، فذكر موسى بن بغا عنه فقال : ما أرادوه ، إنما أرادوا أن يخرجوا أبا أحمد بن المتوكل لأنسهم به وكان في الحرب التي كانت ، فلما كان من الغد دعا بالقضاة والفقهاء والوجوه ، فأخرج المؤيد إليهم ميتا لا أثر به ، ولا جرح ، وحمل إلى أمه ، ومعه كفنه ، وأمرت بدفنه .
فقيل : إنه أدرج في لحاف سمور ومسك طرفاه حتى مات .
وقيل : إنه أقعد في الثلج ، وجعل على رأسه منه كثير ، فجمد بردا .
ولما مات المؤيد نقل أخوه أبو أحمد إلى محبسه ، وكانا لأب وأم .