الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            استيلاء الليث على فارس وقتله  

            في سنة سبع وتسعين ومائتين سار الليث بن علي بن الليث من سجستان إلى فارس [ في جيش ] وأخذها ، واستولى عليها ، وهرب سبكري عنها إلى أرجان ، فلما بلغ الخبر المقتدر جهز مؤنسا الخادم وسيره إلى فارس ، معونة لسبكري ، فاجتمعا بأرجان .

            وبلغ خبر اجتماعهما الليث ، فسار إليهما ، فأتاه الخبر بمسير الحسين بن حمدان من قم إلى البيضاء ، معونة لمؤنس ، فسير أخاه في بعض جيشه إلى شيراز ليحفظها ، ثم سار في بعض جنده في طريق مختصر ليواقع الحسين بن حمدان ، فأخذ به الدليل في طريق الرجالة ، فهلك أكثر دوابه ، ولقي هو وأصحابه مشقة عظيمة ، فقتل الدليل ، وعدل عن ذلك الطريق ، فأشرف على عسكر مؤنس ، فظنه هو وأصحابه أنه عسكره الذي سير مع أخيه إلى شيراز ، فكبروا ، فثار إليهم مؤنس وسبكري في جندهما ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم عسكر الليث ، وأخذ هو أسيرا .

            فلما أسره مؤنس قال له ( أصحابه : إن ) المصلحة أن نقبض على سبكري ، ونستولي على بلاد فارس ، ونكتب إلى الخليفة ليقرها عليك ، فقال : سأفعل غدا ، إذا صار إلينا على عادته . فلما جاء الليل أرسل مؤنس إلى سبكري سرا يعرفه ما أشار به أصحابه ، وأمره بالمسير من ليلته إلى شيراز ، ففعل ، فلما أصبح مؤنس قال لأصحابه : أرى سبكريا قد تأخر عنا ، فتعرفوا خبره ، فسار إليه بعضهم ، وعاد فأخبره أن سبكريا سار من ليلته إلى شيراز ، فلام أصحابه ، وقال : من جهتكم بلغه الخبر حتى استوحش ، وعاد مؤنس ومعه الليث إلى بغداذ ، وعاد الحسين بن حمدان إلى قم .

            ذكر أخذ فارس من سبكري ذكر أخذ فارس من سبكري

            لما عاد مؤنس عن سبكري استولى كاتبه عبد الرحمن بن جعفر على الأمور فحسده أصحاب سبكري فنقلوا عنه أنه كاتب الخليفة ، وأنه قد حلف أكثر القواد له ، فقبض عليه وقيده وحبسه ، واستكتب مكانه إسماعيل بن إبراهيم التيمي ، فحمله على العصيان ومنع ما كان يحمله إلى الخليفة ففعل ذلك .

            فكتب عبد الرحمن بن جعفر إلى ابن الفرات ، وزير الخليفة ، يعرفه ذلك وأنه لما نهى سبكريا عن العصيان قبض عليه ، فكتب ابن الفرات إلى مؤنس ، وهو بواسط ، يأمره بالعود إلى فارس ، ويعجزه حيث لم يقبض على سبكري ، ويحمله مع الليث إلى بغداذ ، فعاد مؤنس إلى الأهواز .

            وأرسل سبكري مؤنسا ، وهاداه ، وسأله أن يتوسط حاله مع الخليفة ، فكتب في أمره ، وبذل عنه مالا ، فلم يستقر بينهم شيء ، وعلم ابن الفرات أن مؤنسا يميل إلى سبكري ، فأنفذ وصيفا كاتبه ، وجماعة من القواد ، ( ومحمد بن ) جعفر الفريابي ، وعول عليه في فتح فارس ، وكتب إلى مؤنس يأمره باستصحاب الليث معه إلى بغداذ ، فعاد مؤنس .

            وسار محمد بن جعفر إلى فارس ، وواقع سبكريا على باب شيراز فانهزم سبكري إلى بم وتحصن بها ، وتبعه محمد بن جعفر وحصره بها فخرج إليه سبكري وحاربه مرة ثانية ، فهزمه محمد ونهب ماله ودخل سبكري مفازة خراسان ، فظفر به صاحب خراسان ، على ما نذكره ، واستولى محمد بن جعفر على فارس فاستعمل عليها فتيحا خادم الأفشين ، والصحيح أن فتح فارس كان سنة ثمان وتسعين [ ومائتين ]   .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية