الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            أخبار القرامطة في سنة ست عشرة وثلاثمائة  

            لما سار القرامطة من الأنبار عاد مؤنس الخادم إلى بغداذ ، فدخلها ثالث المحرم ، وسار أبو طاهر القرمطي إلى الدالية من طريق الفرات ، فلم يجد فيها شيئا ، فقتل من أهلها جماعة ، ثم سار إلى الرحبة ، فدخلها ثامن المحرم ، بعد أن حاربه أهلها ، فوضع فيهم السيف بعد أن ظفر بهم ، فأمر مؤنس المظفر بالمسير إلى الرقة ، فسار إليها في صفر ، وجعل طريقه على الموصل ، فوصل إليها في ربيع الأول ، ونزل بها ، وأرسل أهل قرقيسيا يطلبون من أبي طاهر الأمان ، فأمنهم وأمرهم أن لا يظهر أحد بالنهار ، فأجابوه إلى ذلك .

            وسير أبو طاهر سرية إلى الأعراب بالجزيرة فنهبوهم ، وأخذوا أموالهم ، فخافه الأعراب خوفا شديدا وهربوا من بين يديه ، وقرر عليهم إتاوة على كل رأس دينار يحملونه إلى هجر ، ثم صعد أبو طاهر من الرحبة إلى الرقة ، فدخل أصحابه الربض وقتلوا منهم ثلاثين رجلا ، وأعان أهل الرقة أهل الربض ، وقتلوا من القرامطة جماعة ، فقاتلهم ثلاثة أيام ، ثم انصرفوا آخر ربيع الآخر .

            وبثت القرامطة سرية إلى رأس عين ، وكفرتوثا ، فطلب أهلها الأمان ، فأمنوهم ، وساروا أيضا إلى سنجار ، فنهبوا الجبال ، ونازلوا سنجار ، فطلب أهلها الأمان ، فأمنوهم .

            وكان مؤنس قد وصل إلى الموصل ، فبلغه قصد القرامطة إلى الرقة ( فجد السير إليها ، فسار أبو طاهر عنها ، وعاد ) إلى الرحبة ، ووصل مؤنس إلى الرقة بعد انصراف القرامطة عنها ، ثم إن القرامطة ساروا إلى هيت ، وكان أهلها قد أحكموا سورها ، فقاتلوه ، فعاد عنهم إلى الكوفة ، فبلغ الخبر إلى بغداذ ، فأخرج هارون بن غريب ، ( وبني بن نفيس ) ونصر الحاجب ( إليها ، ووصلت خيل القرمطي إلى قصر ابن هبيرة ، فقتلوا منه جماعة .

            ثم إن نصرا الحاجب ) حم في طريقه حمى حادة ، فتجلد وسار ، فلما قاربهم القرمطي لم يكن في نصر قوة على النهوض والمحاربة ، فاستخلف أحمد بن كيغلغ ، واشتد مرض نصر ، وأمسك لسانه لشدة مرضه ، فردوه إلى بغداذ ، فمات في الطريق في أواخر شهر رمضان ، فجعل مكانه على الجيش هارون بن غريب ، ورتب ابنه أحمد بن نصر في الحجبة للمقتدر مكان أبيه ، فانصرف القرامطة إلى البرية ، وعاد هارون إلى بغداذ ( في الجيش ) ، فدخلها لثمان بقين من شوال . من ظهر بسواد العراق من القرامطة  

            لما كان من أمر أبي طاهر القرمطي ما ذكرناه ، اجتمع من كان بالسواد ممن يعتقد مذهب القرامطة فيكتم اعتقاده خوفا ، فأظهروا اعتقادهم ، فاجتمع منهم بسواد واسط أكثر من عشرة آلاف رجل ، وولوا أمرهم رجلا يعرف بحريث بن مسعود ، واجتمع طائفة أخرى بعين التمر ونواحيها في جمع كثير ، وولوا أمرهم إنسانا يسمى عيسى بن موسى ، وكانوا يدعون إلى المهدي .

            وسار عيسى إلى الكوفة ، ونزل بظاهرها ، وجبى الخراج ، وصرف العمال عن السواد .

            وسار حريث بن مسعود إلى أعمال الموفقي وبنى بها دارا سماها دار الهجرة ، واستولى على تلك الناحية ، فكانوا ينهبون ، ويسبون ، ويقتلون ، وكان يتقلد الحرب بواسط بني بن نفيس ، فقاتلهم ، فهزموه ، فسير المقتدر بالله إلى حريث بن مسعود ومن معه هارون بن غريب ، وإلى عيسى بن موسى ومن معه بالكوفة صافيا البصري ، فأوقع بهم هارون ، وأوقع صافي بمن سار إليهم ، فانهزمت القرامطة ، وأسر منهم كثير ، وقتل أكثر ممن أسر ، وأخذت أعلامهم ، وكانت بيضا ، وعليها مكتوب : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وطابت أنفس أهل بغداد وانكسر شر القرامطة  الذين كانوا قد نشأوا وكثروا وأظهروا رءوسهم بأرض العراق ، ونهبوا كثيرا من القرى ، وفوضوا أمرهم إلى رجل يقال له : حريث بن مسعود - لا أسعده الله - ودعوا إلى المهدي الذي ظهر ببلاد المغرب وبنى المهدية جد الخلفاء الفاطميين  وهم أدعياء فيما ذكروا لهم من النسب  ، كما نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء

            التالي السابق


            الخدمات العلمية